ثم لا بُدَّ من التذكير -بما سبق التذكير به مرّة أو أكثر-، أنَّ عزو (الهدَّام) هنا -أو في غير هذا المكان- لمسلم؛ لا يعني ذلك أنَّه حديثٌ صحيحٌ عنده! فكم من حديث له ضعّفه (الهدَّام) جهلًا وبغيًا بغير حق؟ ! ومن الأمثلة على ذلك ما تقدم برقم (٥ و ٥٠)، وبخاصة ما كان من حديث (ابن بُريدة عن أبيه)، فإنَّه يزعم أنَّه لم يسمع من أبيه! وبه أعلّ الحديث الصحيح:"من حلف بالأمانة فليس مِنا"؛ صرَّح بذلك في "ضعيفته" التي ذَيَّل بها على طبعته لـ "رياض الصالحين"(٥٥٩/ ١١٩)؛ وغفل أو تغافل -لا أدري! - عن أحاديث أُخرى بهذا الإسناد، مثل حديث مسلم هذا في زيارة القبور (رقم ٤٣٤/ "رياضه")، والذي بعده فيه بحديث (رقم ٤٣٦)، وكلاهما عزاهما لمسلمٍ - أيضًا -هنا- قُبيل هذا الحديث! وسكت عنهما -كما فعل في "الرياض"! - ومثل حديث:"لا وجدت" عند مسلم، ورقمه فيه (١٢٩٦)، وحديث:"لا تقولوا للمنافق: سَيّد. . . "، ورقمه (١٣١٢)، كلُّ هذه الأحاديث من رواية ابن بُريدة عن أبيه؛ فكان يلزمه أن يُبَيِّنَ موقفَه منها، وإلّا أُدِينَ بأنها ضعيفةٌ عنده، وإلّا قوّاه ببعض الشواهد والطرق إنْ وُجِدت، إلّا أنَّ هذا ليس من طبيعة مَن نصب نفسه لتضعيف الأحاديث الصحيحة!
٧٣ - "وعن علي بن أبي طالب، أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنّي كنت نهيتُكم عن زيارة القبور؛ فزوروها، فإِنَّها تذكِّركم الآخرة"، رواه الإمام أحمد":
وهذا حديثٌ صحيحٌ بشواهده.
أمّا (الهدَّام) فلا يقيم وزنًا للشواهد، وإلّا لم يكتَفِ بقوله (١/ ٢٩١) -فيه-: "وأخرجه أحمد (١/ ١٤٥) بإسنادٍ فيه ضعفاء"!