١١ - قال ابن القيم:"حُرِّم لبس جلود النمور، والسباع؟ بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك في عدة أحاديث صِحاح لامعارض لها":
قلت: هذا هو الحق الذي لاريب فيه عند أهل العلم، أمّا (الهدَّام)؛ فقد عاكسه في ذلك، وصال وجال (! ) في التعليق عليه، مضعّفًا له من جميع طرقه! وقد كنت خرجته في "الصحيحة"(١٠١١) من حديث المِقدام، ومن حديث أسامة، مجوِّدًا إسناد الأول، ومصحِّحًا إسناد الآخر، وختمت التخريج بقولي:
"وأخرجه الطحاوي من حديث علي، وابن عمر، ومعاوية نحوه"؛ مشيرًا بذلك إلى أنَّ هذه الأحاديث تعطي الحديث قوة على قوة؛ فجاء (الهدَّام) فانتصب لمخالفتي، وأعلّ الحديثين بما ليس بعلّة، وأشار إلى تضعيف الأحاديث الأخرى، وهو في ذلك غير صادقٍ ولا مُصيبٍ.
وقبل الشروع في بيان هذا الكلام المجمل، لابد لي من أن أَسترعيَ نظر القراء إلى جهل هذا (الهَدّام) بفن التخريج، وبالفرق بين لفظ حديث وحديث -من حيث اختلافُهما في الدلالة-؛ فقد رأينا أن ابن القيم ذكر نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن لبس جلود النمور والسباع؛ فلم يذكر (الهدَّام) في نقده وتخريجه للحديثين هذا اللفظ، وإنَّما ذكره بلفظ:"نهى عن جلود السباع"! وهذا لفظ حديث أسامة.
ومن تمام مخالفته ومشاكسته إياي، وسوء تخريجه: أنَّه بدأ تخريجه قبل تخريج حديث المقدام، ولفظه هو الموافق لما ذكر ابن القيم؛ فلم يذكره، تعميةً لمعناه إلى ما قد يدلُّ عليه معنى اللفظ الذي ذكره؛ مما لايتفق مع صريح معنى حديث المقدام؛ فقد تأَوّله بعضهم بأن النهيَ عن جلود السباع مُقَيَّدٌ بما إذا لم يدبغ، كما جاء في "التمهيد"(١/ ١٦٣)، و"الجوهر النقي"(١/ ١٨).
فلو أنَّ (الهدَّام) كان مخلصًا في تخريجه، وعلى شيء من العلم والفقه