فإِن قيل: لعله اتبع الإمام التِّرمذي في التحسين؟ فأقول:
هذا بعيدٌ جدًا، لأسبابٍ أذكرها:
أولاً: هو -مع الأسف- لا يُقيم وزنًا لجميعِ الحفّاظ إذا خالفهم؛ فضلًا عن التِّرمذي؛ لأنَّه متساهلٌ.
ثانيًا: هو مخالف للترمذي -أيضًا- من ناحيتين:
إحداهما: أنَّه شكَّك في تحسينه إيّاه.
والأخرى: أنَّه لم يُفصح عن نهع تحسينه، كما بيَّنت في الذي قبله؛ بخلاف التِّرمذي، فإِنَّه جزم بأنَّه حسن لذاته.
ثالثًا: من المحتمل أنَّ التِّرمذي لم يصحِّحه، لأنَّه من رواية أبي إسحاق، وهو عمرو بن عبد الله السَّبيعي -وفيه كلامٌ معروفٌ-، رواه عن بُريد، أمَّا (الهدَّام) فقد وقف عليه من رواية شعبة عن بُريد، فما الذي منعه من تصحيح إسناده، بله تحسينه؟ ! ما هو إلا حُبّ المخالفة للعلماء، والعياذ بالله -تعالى-.
وقد يخطر في البال أنَّ من المحتمل أنَّه رأى ابن حزم ضعَّف الحديث في "المحلّى"(٤/ ١٤٧ - ١٤٨) -وقد رواه من طريق أبي إسحاق -، فتوسّط هو بينه وبين الجمهور، فحَسَّنَهُ! ومع أنَّ هذا ليس من العلم في شيء، فابن حزم معذور، لأنَّه لم يقف على رواية شعبة الصحيحة، فما عذر (الهدَّام) وقد اطلّع عليها؟ !
وانظر تخريج الحديث في "الإرواء"(٢/ ١٧٢ - ١٧٥)، وتصحيح الشيخ أحمد شاكر للحديث وردّه على ابن حزم في تعليقه على "المحلى"، وفي تعليقه على "سنن الترمذي"(٢/ ٣٢٩).