ثالثًا: الحديث عند التِّرمذي من رواية جابر، وعند اللذَيْنِ عزاه (الهدَّام) إليهما، هو من روايتهما عنه، عن عبد الرحمن بن عوف، فكان عليه أن يُبَيِّن ذلك؛ ولكن ما له ولمثل هذا التحقيق، وهو إنما همّهُ التخريبُ والتضعيفُ؟ !
ومن العجيب؛ أنَّ همَّه قد يُعْميهِ عَمّا قد يساعده عليه، فإنَّ هذا الاختلافَ في إسناد الحديث، إنَّما هو من الأدِلّة على ضعف ابن أبي ليلى هذا! ولكنّ ضعفَه لا يضُرُّ حديثه هذا؛ لما سبق بيانه من الشاهد الذي كتمه المُخَرِّب! وقد رواه ابن سعد -أيضًا- (١٨١٣٨) عن جابر، عن عبد الرحمن.
٧٨ - "وقال الحسن: صوتان ملعونان: مزمار عند نِعمة، ورَنَّةٌ عند مصيبة":
قلت: لم يُخَرِّجه (الهدَّام)؛ إمّا لجهله بالآثار السلفية، أو لاستهتاره بها لَمَّا خالفت هواه المستحلَّ للمزامير التي حَرَّمها اللَّه، والذي يحملُهُ على تضعيف كثير من الأحاديث التي صَحَّت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ومنها حديثُ البخاري -الآتي في تحريمها بعد هذا الأثر-.
وقد أخرجه ابن أبي الدنيا من طريقين عن الحسن -وهو البصري-، ولذلك جزم به ابن القيم، لا سيّما وقد صحّ مرفوعًا -كما يأتي قريبًا-، وهو مخرّج في مقدمة رسالتي في "الرّد على ابن حزم في إباحته الملاهي وعلى مقلّديه".
ولم يكتف (الهدَّام) بعدم تخريجه، بل علَّق عليه بالافتراء على أحد حُفَّاظ الأمَّة؛ فقال:
"رفعه البزَّار (٧٩٥) من حديث أنس، وفيه شَبِيب بن بِشْر، وهو ضعيف".
قلت: فيه مؤاخذتان:
الأُولى: افتراؤه على الحافظ البزَّار بقوله عنه: "رفعه"؛ بدل أن يقول: