ثم أُهملت في القرون المتأخّرة، فجاء دورنا -وللَّهِ الحمدُ - في إحيائها؛ فألَّفْتُ فيها الرسالة المعروفة - "خُطبة الحاجة" -، ونفغ الله بها من شاء من محبِّي السنة، وانتشر العَمَلُ بها في صدور الكتب والرسائل، وفي خُطب الجُمَع وغيرها -فللَّه المِنّة -. فَمِنَ العجائبِ أن يقفَ في طريقها بعضُ الفُضَلاء، فيكتب كلمةً في كتابه النافع "تصحيح الدعاء" (ص ٤٥٤)، فيقول ما ملخّصه: "في الخطبة محدثات؛ منها: التزام افتتاح خُطبة الجمعة بخطبة الحاجة الواردة في حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه -، والعجيبُ أن حديث ابن مسعود هذا رواه أصحاب "السنن" مترجمين له في "كتاب النكاح" سوي النسائي؟ فقد ترجم له -أيضًا- في "الصلوات"، ومن تتبَّع هديَ النبي -صلي الله عليه وسلم-، لم يَر فيه التزامَ افتتاحِ خُطبته -صلى الله عليه وسلم-بذلك ... ولم نَرَ في فعله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الهَدْيِ الراتبِ لصحابتهِ -رضي اللَّه عنهم - التزامَ هذه الصيغة في خُطَبهم، وافتتاح أُمورهم، وهؤلاء المؤلِّفون مِن علماء الإسلام لا تراهم كذلك، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-؛ فإنه في كتبه وفتاويه يفتتح بها تارة، وبغيرها تارة أخري ... ". فأقولُ -وبالله التوفيق-: أولًا: هي ليست فرضًا حتى لا تُترك أحيانًا؛ بل قد يكون العكسُ هو الأصوبَ، وهو تركُها أحيانًا؛ حتى لا يتوهّم أحدٌ فرضيتها؛ كما في حديث قيام رمضان: "إني خشيتُ أن تُكتب عليكم". ومما يُدَلِّلُ على أنّنا مُدْرِكون لذلك جيدًا -وللَّه الحمد -: أنني لم أفتتح عَدَدًا من مؤلفاتي وتحقيقاتي بهذه الخطبة؛ مثل: "كتاب الإيمان" لابن أبي شيبة، و "حجاب المرأة المسلمة" الطبعة الأولى، و "تمام المِنّة" / الطبعة الثانية، و "آداب الزفاف" الطبعة الثانية ... ومِن آخر ذلك مقدمتي على الطبعة الجديدة من المجلد الأول من "السلسلة الصحيحة" ... وغير ذلك كثيرٌ.=