بإعلالهِ بالعنعنة! إذ كل أحد يدري أن عزو الحديث للبخاري ليس كعزوه لأحمد؛ فإعراضه عنه إليه -أو على الأقل عدم جمعِهِ بينهما-؛ لا بد أنه كان عن جهلٍ، أو عن تجاهُلٍ -عمدًا- لما ذكرت آنفًا-! وأحلاهما مرّ!
خامسًا: أنّ عزوه المذكور لأحمد" يدلُّ من جهة أُخرى على جهله بالسنة وأحاديثها؛ لأنه ليس عند أحمد -كما رأيتَ- الطرفُ الأول من فقرة "الإغاثة": "كان يجيب من دعاه"، وفيها أحاديث كثيرة كنت خرّجتها في المجلد الخامسِ من "الصحيحة" (٢١٢٥)، فأكتفي بالإشارة إليها: فرواه التّرمذي وابن ماجه عن أنس، والطبراني عن ابن عباس، وابن عدي عن أبي هريرة، وأبو الشيخ والحاكم -وصحّحه هو والذهبي- عن أبي موسى، وابن سعد والبزّار عن جابر، وعنِ الحسن البصري -وغيره- مرسلًا.
٥٧ - "وقد روى الإمام أحمد في "مسنده" عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بُعثتُ بالحنيفيّة السّمحة".
قال (الهدَّام)(١/ ٢٣١): "لم يصحَّ فيه حديثٌ"! ثمّ خرّجه من حديث عائشة، وابن عبّاس، وأبي أُمامة، وجابر ثمّ قال:"وفي كلّ منها ضعف"!
وأقول: الإطلاق غير مسلّم، فقد حسّن أحدَها الحافظُ، وعلى التّسليم به؛ فذلك يعني عند العلماء أنّه حديثٌ صحيحٌ لغيرهِ، لكنّ (الهدَّام) يعاند ويستكبر عنِ اتّباع {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} -كما ذكرنا وأثبتنا مرارًا! ! -، ثم إنّه قد جهل -أو تجاهل- شاهدين آخرين مرسلين؛ إسناد أَحدهما صحيحٌ، وهما -مع غيرهما- مخرّجان في أوّل كتابي "تمام المنّة في التّعليق على فقه السّنّة".
ثم وجدتُ له شاهدًا آخرَ من حديث أُميّةَ بن سعد بن عبد اللَّه الخُزَاعيّ، رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(٧/ ٦٣١)، وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى تقويته بمجموع طرقه في "تفسيره"(١/ ٢١٧)، (٢/ ٢٥٤، ٤٠٣)،