والخلاصة؛ فهذا الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وحديث ابن عمرو، يشكِّك (الهَدّام) في تحسينه (خبطَ عشواء)، مع أن له طريقًا ثالثًا من حديث أبي مالك الأشعري، وقد خرَّجتُها ثلاثتَها في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (٢٧٥٣ و ٢٧٦٣)؛ وحديث ابن عياش الآخر مخرَّج في المجلد الأول منه برقم (١٧٣).
٣٠ - "وفي"مسند الإمام أحمد" من حديث سَبْرَةَ بن أبي الفاكِهِ، أنَّه سمع النبي -صلي الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ... "":
قلت: إسناده قوي متصل، وقد صحّحه جمعٌ، منهم ابن حبان، والمنذري (٢/ ٢٧٣)، والحافظ العراقي، والعسقلاني، واحتجَّ به ابن كثير (٢/ ٢٠٢) وغيره، وهو مخرَّج في "الصحيحة"(٢٩٧٩).
وخالفهم (الهدَّام) كعادته، واختلق له علة من عنده، فقال (١/ ١٣٤):
"إسناده ضعيف، فإِنَّ سالمًا لم يرو عن سبرة غير هذا الحديث، ولم يصرِّح بالسماع منه، وهو معروف بالإرسال عن جمعٍ من الصحابة ... ".
قلت. لكن لم يقل أحد بأنَّ سالمًا -وهو ابن أبي الجعد الثقة - أرسل عن (سَبْرة)، ولم يُرْمَ بتدليس؛ فعنعنته محمولةٌ على الاتصال عند جماهير العلماء، كما هو مشروحٌ في كتب المصطلح، ومنهم أبو محمد بن حزم المعروف بتشدده في مثل هذا المجال، فقد قال:
"اعلم أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول، فهو على اللقاء والسماع؛ سواء قال: "أخبرنا"، أو: "حدّثنا"، أو: "عن فلان"، أو: "قال فلان"؛ فكل ذلك محمولٌ على السماع منه".