والفهم لِلفرق بين دلالة الحديثين لبدأ بالأول منهما، وإن كان قد ضعّفهما كليهما معًا؛ وهذا من جَنَفِه وظلمه للسنة؛ وهاك البيان:
أولًا: لقد أعلّ حديث المقدام بأمرين يتعلّقان بشخص (بقية بن الوليد):
أحدهما: التشكيك في ثبوت تصريح بقية بالتحديث.
فأقول: هكذا يُلقي الكلام على عواهنه، ولا يذكر أيَّ سبب للتشكيك؛ مما لا يعجز عنه أجهلُ الناسِ وأخبثُ الناسِ؛ وذلك قوله:"إنْ صحَّ التصريح بالتحديث عند أحمد"! وحكاية هذا يغنينا عن تكلُّف الرد عليه، لوضوح تفاهته ولممقوطه، ولكني -مع ذلك - أضع التصريح بين أيدي القراء، ليصفعوا به وجه كل مكابر عنيد:
قال الإمام أحمد (٤/ ١٣١ - ١٣٢): حدثنا حَيوة بن شُريح، وأحمد بن عبد الملك، قالا: ثنا بقية: ثنا بَحِير بن سعد ... (فساق إسناده الصحيح).
قلت: فهذان ثقتان قد حدَّثا عن بقية مصرِّحًا بالتحديث، نحن لا ندَّعي العصمة لأحد من الرواة، ولو كان من الأئمة الثقات، ولكننا لا نرضى -بالمقابل- التشكيكَ في حفظهم، والطعنَ في رواياتهم بمجرد الدعوى، وإلا بطلت العلوم كلها، إلاما شاء الله؛ ومثل هذا قد يتعدى إلى الشك في أصولنا كلها، كما فعل بعض مُتَعَصِّبة الحنفية في الهند أو الباكستان، فَشَكَّكَ في نسبة "المسند" للإمام أحمد، فرددت عليه في كتاب "الذب الأحمد" -وهو تحت الطبع-.
هذأ ما يتعلّق بالأمر الأول.
أمّا الأمر الآخر، فهو قوله:" ... وإنْ صرَّح بقية بالتحديث؛ فالمشكلة في بقيّةَ نفسهِ".