للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأقول. هكذا -أيضًا- يشكّك في شخص (بقية)، ثم يولِّي الأدبار، ولا يبين ما حالُه، وما موقفُه منه، فهو في ريبه يتردّد! والحقيقة أن (بقية) فيه كلام كثير يحار فيه الجهلة الذين لا علم عندهم بهذا الفن، وعلم الجرح والتعديل؛ فَمَن كان يدّعي العلم والمعرفة؛ فعليه أن يبين وجهة نظره فيما قيل فيه، على أساس {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}، لا مجرد الدعوى التي لا يعجِزُ عنها أحد، وما قيل فيه يدور بين مُوَثِّق توثيقًا مطلقًا، وُمَضِّعف تضعيفًا مطلقًا، ومن قائل: "له مناكير"، ومتوسط فيه يفرق بين عنعنته وتحديثه.

وهذا الأخير هو الذي تطمئنُّ إليه النفس، وينشرح له الصدر، واستقرَّ عليه رأيُ الحُفّاظ المُطَّلعين على تلك الأقوال الصادرة فيه من أئمة الجرح والتعديل، وقامت عليه كتبُ التخريج؛ فهذا هو الإمام الذهبي النَّقّاد -مع ذكره الخلافَ المشارَ إليه في كتابه "المغني"- فقد بالغ في الثناء عليه، ويشير إلى أنَّ تلك المناكير مغتفرةٌ بالنسبة لكثرة حديثه، فقال فيه: "أحد الأئمة الحفاظ، يروي عمّن دبَّ ودرج، وله غرائب تستنكر -أيضًا- عن الثقات؛ لكثرة حديثه ... "؛ ثم ذكر الأقوال فيه، وختمها بقولا النسائي: "إذا قال: (ثنا)، و (أبنا) فهو ثقة"، واعتمده في "الكاشف"، فقال: "وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال (س): إذا قال: (ثنا) و (نا) فهو ثقة" (١)؛ ولذلك أورده في كتابهِ "الرواة المتكَّلم فيهم بما لا يوجب الرّد" (ص ٧٦)، وقال الحافظ ابن حجر: "صدوق كثير التدليس عن الضعفاء".

قلت: يعني تدليس الإسناد؛ ففيه إشارة إلى عدم اتهامه بتدليس التسوية


(١) ونحوه في "سير أعلام النبلاء" (٨/ ٤٥٨)، وقد بسط الكلام فيه؛ فراجعه؛ فإِنَّه مهم جدًا.
ومنه يتبين أنَّه إذا صرح بالتحديث عن ثقة -كما هنا - فهو حجةٌ؛ إلاّ إذا خالف الثقات.

<<  <   >  >>