ليس جرحًا مسقطًا لحديثه عن مرتبة الصحة -كما لا يخفى-، ولذلك لما صحّح الحاكمُ حديثَه هذا في "المستدرك"(٣/ ١٦٥ - ١٦٦) -على شرط الشيخين-؛ وافقه الذهبي في "تلخيصه"، وأقرّه عليه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(٢/ ٢١٨).
وعلى مثل هذا التصحيح جرى الحفّاظ في أحاديث أخرى لجرير بن حازم، مثل حديث:"ما استجار عبدٌ من النار سبع مَرّات. . . " إلخ؛ فقد صحّحه على شرط الشيخين الحافظُ ضياءُ الدين المقدسى، وزكي الدين المنذري، وابن القيِّم في "حادي الأرواح" -كما تراه مخرجًا في أوّل المجلد السادس من "الصحيحة" رقم (٢٥٠٦) -، وهذا يعني -عندهم- أنَّ ما قيل في جرير ليس جرحًا.
وهنا تنكشفُ لنا فضيحةٌ من فضائح (الهدَّام) الكثيرة، وهي كتمانه عزو الحديث للحاكم وتصحيحه هو والذهبي إيّاه، وتتجَسَّد الفضيحة إذا علم القراء أنَّ البيهقي الذي عزاه (الهدَّام) إليه؛ إنّما رواه من طريق شيخه الحاكم! فليت شِعري لم استجاز (الهدَّام) العزوَ للتلميذ وهو غير ملتزم الصِّحَّة في كتابه، وأعرض عن العزو إلى شيخه؛ وهو ملتزم الصحة في كتابه -وقد صَرَّح بها- كما سبق؟ ! -؛ الجواب ندعه للقراء الألِبَّاء.
وإن من فوائد رواية الحاكم؛ أنَّها من طريق وهب بن جرير، الذي حجب أباه من التحديث بعد تَغَيُّره؛ مما يسدُّ الطريق على (الهدَّام) وأمثاله أن يُعِلُّوا الحديثَ به، فصَحَّ الحديث والحمدُ للَّه، ولم يبق للشك في صِحَّته -فضلًا عن حُسنه- معنًى، إلّا حبُّ المخالفة والمشاكسة، والعياذ باللَّه!
وإذا كان الحديث عنده حسنًا فبما يرجو؛ فلماذا لم يُقَوِّ به حديث أبي هريرة وحديث أبي بكرة -اللَّذين ضعَّفهما- كما تقدم؟ ! -؛ الجواب لدى القراء الأَلِبَّاء -أيضًا-.