وهي مذكورةٌ في كتب المصطلح، وبخاصة الشروح منها، وقد بَسط الكلامَ عليها الحافظُ السيوطيُّ في "تدريب الراوي"(١/ ٢١٦)، فمن شاء التفصيل رجع إليه.
ولكنْ؛ لا بُدّ من ذكر نص الإمام النووي؛ لأهميّتهِ وكثرة فائدته؛ ليكون القرَّاء على بيّنة من الأمر: قال - رحمه الله - في "التقريب" (١/ ٢١٤ - ٢١٥ - بشرح "التدريب")، وأصلِهِ "إرشاد طلاب الحقائق"(١/ ١٨٥ - ١٨٦):
"الإسناد المعنعن - وهو فلان عن فلان -، قيل: إِنه مرسل؛ والصحيح الذي عليه العمل - وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول -: أنَّه متصل بشرط أن لايكون المعنعِن مدلِّساً، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضاً.
وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف؛ منهم من لم يشترط شيئاً من ذلك - وهو مذهب مسلم بن الحجاج؛ وادّعى الإجماع فيه -".
وفي هذا النصِّ من الإمام النووي ما يُشعر أنَّه كان هناك اختلاف شديد بين العلماء في شرط الاتصال بين الراويين، ثم استقرَّ رأيهم وعملهم على الاكتفاء بالمعاصرة، وأنَّه شرط أساس، وأنَّ ما سوى ذلك شرط كمال، فإِن وجد فالحمد لله، وإلاّ ففي (المعاصرة) بشرطها خيرٌ وبركةٌ؛ وعلى هذا أصحاب "الصحاح" و"السنن" وغيرهم.
وهذا التفصيل هو الذي قال به الحفاظ من بعدهم؛ فهذا الإمام الذهبي يقوِّي مذهب مسلم حين تعرّض لذكر الخلاف بينَه وبين البخاري بقوله في "السير"(١٢/ ٥٧٣): "وقول الإمام البخاري وشيخه علي بن المديني؛ هو الأصوب الأقوى".