يلزمُ من تساهلهِيا -أي: ابن حِبّان، والعِجْلي- أن يُردَّ توثيقُهما دائمًا، كما لا يلزمُ من كون غيرهما من المتشدِّدين أن يُردَّ تضعيفُهم دائمًا، وإنَّما ذلك كلُّه خاضعٌ لعلم الجرح والتعديل، ومنه تقديمُ الجرح على التعديل عند التعارض -بشرطِهِ المعروف-، ولا شيء من هذا هنا مطلقًا، وإنَّما فيه التوثيقُ المذكورُ المُدَعَّمُ بتصحيح الحُفَّاظ لحديثه هذا وغيرِه، وبرواية خمسةٍ من الثقات عنه، وأكثرُهم من التابعين، فليس هناك من أهل العلم من يَرُدُّ حديثَ مثلِه بالجهالة، فلا غرابةَ بعد هذا أن يَتَّفِقَ رأيُ الحُفَّاظِ على توثيقه، والجمِّ الغفيرِ على تصحيح حديثه!
فهذا كلُّه يدلُّ دلالةً قاطعةً على أنَّ (الهدَّام) ينطلقُ في تضعيفه للأحاديث من اتِّباعه لهواه، وأنَّه لا يُقيم وزنًا للعلماء، واللَّه المستعان!
ومن ذلك، أنَّه لم يُخَرِّج ما أشار إليه ابن القيِّم من الأحاديث الواردةِ في التشبُّه بالكُفّار ". . . في مواضعَ كثيرةٍ" -كما هو نصُّ كلامهِ -رحمه اللَّه-، وقد كنت جمعت ما تيسَّر لي منها في آخر كتابي "حجاب المرأة المسلمة" -والذي سميته أخيرًا "جلباب المرأة المسلمة"-، نحو ثلاثين حديثًا صحيحًا في مختلف أبواب الشريعة، في العبادات، والمعاملات. . . ونحوها.
ومن ذلك حديث:"خالف هدينا هدي الكفار"، الذي أعرض (الهدَّام) عن تخريجه -لجهلهِ بهِ! -، فقد خرّجته -هناك- من رواية الحاكم -وصحَّحه-، وفيه نَظَرٌ بيّنته ثمّة، لكن معناه في "صحيح البخاري"، فضلًا عن الأحاديث الأُخرى التي أشار إليها ابن القيِّم.
ومن تمام سعيه في الهدم، أنَّه لم يُشر إليها، ولم يدلَّ القراء عليها، بل إنَّه -على العكس من ذلك- ختم تخريجَهُ بقوله -بجهلٍ بالغٍ-: