قلتُ: هذا التضعيفُ المبهم إمّا أن يعني أنَّ متنَ الحديثِ ضعيفٌ لا يتقوّى بمجموع هذه الطرق؛ فهذا باطلٌ، لأنَّها ليست شديدةَ الضعفِ -كما يشير إلى ذلك إخراجُ ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحهما" للحديثِ-؛ فهو صحيحٌ لغيره.
وإن كان يعني أنَّه صحيحٌ أو حسنٌ على الأقلّ؛ فلماذا كتمه، وما بيّنه؟ !
على أنَّ له شواهدَ أخري، لا أستبعد أنَّه تَعَمَّد كتمانَها:
منها حديا عائشة عند أبي يعلى (٤٦٧٩)، وحديث ابن عباس في "أوسط الطبراني"، وعنه الخطيب (١/ ٣٨٧)(١) وكلُّها مخرّجةٌ عندي في "صحيح أبي داود"(٢٠٣٠)، ولذلك أشار المنذري في "الترغيب"(١/ ٩٢/ ٥ و ٦) إلى تقويته، وكذلك عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى"(١/ ٣٨٢).
وإنّ مما يؤكّد كتمانَه المذكورَ: أنَّ من طرقه -عند النسائي- ما رواه من طريق ثَوْر، عن خالد بن مَعْدان -مرسلًا-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لرجلٍ. . . فذكره.
وإنّما كتمه لصحّة سنده! ولأنَّ الحديث يتقوّى به وبموصولٍ واحدٍ من تلك المسندات؛ كما هي القاعدةُ عند العلماء؛ ونصّ على مثل ذلك الإِمام الشافعي -رحمه اللَّه-؛ فكيف لا يُقَوّى بها كلِّها؟ !
وكتم -أيضًا- شاهدًا قويًا عند النسائي -أيضًا-؛ من طريق عبد اللَّه بن الحارث، عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال:
(١) ثم خرّجته في "الصحيحة" (٢٩٨٣)، وسقت إسناده، وبيّنت صحته مع مرسل خالد ابن مَعْدان -الآتي-.