(٣/ ٩٧): "قال الشافعي: هذا الحديثُ ليس بثابت، وقال ابن الجوزي: لا يصحُّ من جميع طرقه".
فأنت ترى أنَّه حَمَلَ قولَ الشافعي على قول ابن الجوزي، وشَتّان ما بينهما! على أنَّ قول ابن الجوزي مردودٌ، وهو من تشدُّده ومبالغاته المعروفة، كما كنتُ بيَّنتُه في "الصحيحة" في آخر تخريجي لهذا الحديث رقم (٤٢٣).
فيا سُبحان اللَّه! فقديمًا قالوا:(إنَّ الطيور على أشكالها تقعُ)! كلا؛ لقد ظلمتُ ابنَ الجوزي إذن؛ إذا أنا شبَّهتُ هذا (الهدَّام) به، فإِني أستغفرُ اللَّه! هذا جاهلٌ متعالمٌ، لا يدري إلّا الكتابةَ على غير هدي، وعلى ظلمٍ وهوي، لا يشهدُ له عالمٌ بعلم، وابنُ الجوزي عالمٌ مشهودٌ له من كبارِ العلماء -على مرِّ العصور- بالعلم والفضل -رحمه اللَّه-.
وقبلَ الانتقالِ إلى الحديث الآتي؛ لا بُدَّ لي من أنْ أكشفَ للقراء عن شيءٍ جديد من بَطَرِهِ ومكابرتهِ في هذا الحديث؛ فقد ذكر ابنُ القيِّم له شاهدًا مرسلًا من رواية يحيى بن أَيُّوب، عن ابن جُريج، عن الحسن. . . به؛ فَبَدَلَ أن يُعَلِّق عليه ويقول: رجال إسناده ثقات، ويعترف بأنَّه لم يعرف المصدرَ الذي نَقَلَ المؤلف منه؛ تجاهل ذلك كلَّه، وأعرض عنه واستكبر؛ فقال:
"ذكره البيهقي ولم يسنده، وقال: وهو منقطع"!
قلت: فأوهم (الهدَّام) قُرَّاءه أنَّه لا إسناد له، والإسناد بين يديه وهو الذي لم يعلِّق عليه! !
على أنَّ له إسنادًا آخر عند الطبري، من طريق قتادةَ، عن الحسن، وهو صحيحٌ عنه، كما تقدّم في (ص ١٧١)، فيا للَّه! ما أكثرَ بَطَرَهُ وجحدَه، وأبعدَه عن خشيةِ اللَّه، والحياءِ من عباد اللَّه! !