فأقول: هذا انتقادٌ في محله، وإن كان على خلاف عادته من إهماله التحقيق، ولا أستبعد أن يكون استفاده من تعليقي على "الكلم الطيب" لابن تيمية (ص ٣٣/ الحديث ٢٢)؛ فإنَّه جعل هذه الضميمة من حديث أبي هريرة، وإنْ فَصَلَ بينه وبينها بقول:"وفي رواية"، ولكنَّه ختم ذلك بقولِه:"قال التِّرمذي: حديث حسن صحيح"؛ فأوهم أنّها من حديث أبي هريرة أيضًا! فنبّهت على هذا في التعليق المشار إليه، فاستفاده (الهدّام)، ولكنْ (على الصمت؛ لا حمدًا ولا شُكورًا! ).
ويظهر أنَّ الإمامَ أبن القيِّم لم يتنبّه لخطإ شيخه هذا، واستجاز -بناءً كليه - أن يحذف قوله:"وفي رواية" هنا، وفي "الوابل الصيب" - أيضًا -، ولم يتعرَّض الشيخ إسماعيل الأنصاري -رحمه الله وغَفَرَ له- لبيان ذلك في التعليق عليه؛ كما هي عادتُه إجلالًا للشيخ؛ متناسيًا أن الحق والنصح لا يُنَافيانِ الإجلالَ، بل هما أحقُّ منه!
والمقصود أنَّ (الهدَّام) انشغل بنقد ابن القيم عما هو أهمُّ منه من التحقيق، وهو بيان مرتبة إسناد حديث ابن عمرو هذا، فيؤخذ عليه أنَّه كتم -كعادته- تصريح التِّرمذي بتحسينه بقوله:"حديث حسن غريب"؛ كما كتم -أو على الأقلّ: جَهِلَ -تقوية الحافظ ابن حجر إياه في "نتائج الأذكار"(٢/ ٣٤٥ - ٣٤٦)، والسببُ في ذلك يعود إلى أنَّ بيان ذلك يعود إلى تقوية الحديث ورفعه من مرتبة الحُسْن التي شك -بل شَكَّكَ- فيها، إلى مرتبة الصحة التي لا ريب بها! وذلك لأنَّه من رواية إسماعيل بن عياش، عن محمد ابن زياد، عن أبي راشد الحُبراني، عن ابن عمرو ... به.
وهذا إسنادٌ صحيح، رجاله كلهم ثقات، و (الهدَّام) يعلم ذلك (! )، فإِنَّ إسماعيل بن عياش له الكعب المعلَّى في الحفظ، حتى قال يزيد بن هارون: