للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا بدأ عبد القاهر حديثه عن التشبيه والتمثيل والتفريق بينهما، لأن التشبيه - إذا أمعنا الفكر في المعنى اللغوي وجدنا أنه يسوى بين الشيئين في الصفات الظاهرة من جميع الوجوه حتى يلتبسا، والتمثيل يسوي بينهما في المقدار فقط فالتشبيه: كقولك: خد كالورد: فحمرة الخد كحمرة الورد، إذ الشبه بين الخد والورد - لظهوره - جعل الخدو الورد يلتبسان ببعضهما حتى لا تستطيع التفريق بينهما - وأن كان التشبيه لا يخلو من مبالغة محمودة".

والتمثيل كما في قول الشاعر:

وأني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت

لكا لمرتجي ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت!

فالمشبه هنا هو: الشاعر وقد هام بحب عزة بعد أن انقطع ما بينهما من وصل، والمشبه به هو: من يرجو أن يستظل بالغمامة وكلما يتهيأ للمقيل تحتها تذهب وتتلاشي: وليس بين المشبه والمشبه به هنا من الصفات الظاهرة ما يمكن معه أن يلتبسا، ولكن بينهما من الأمور الاعتبارية أمران يمكن أن يقدر احدهما بمقدار الآخر، ولهذا خص هذا النوع باسم التمثيل، لأن التمثيل - من حيث اللغة كما أسلفنا - يسوى بين الأمرين في المقدار فقط.