كان عبد القاهر الجرجاني ينظر إلى البلاغة على أنها علم "واحد" يدور حول نظرية النظم، وعن هذا النظم تتفرع موضوعات البلاغة الأساسية المتمثلة في المعاني المأخوذة من تتبع معاني النحو فيما بين الكلم، ومن هذه المعاني تتكون صور البيان المتمثلة في التشبيه والمجاز، والكناية، والقيم الجمالية المتمثلة في ألوان البديع، كالجناس والطباق، والسجع، ونحوها مما يكون حسنة راجعاً إلى جمال المعنى قبل أن يكون زينة للألفاظ ولكن المتأخرين قد نظروا إلى البلاغة على أنها علوم "ثلاثة" هي علم المعاني وعلم البيان، وعلم البديع، وصحيح "أنهم قالوا: أن علم البيان لا بد فيه من اعتبار علم المعاني، وأن هذا من ذاك بمثابة المفرد من المرطب"(١).
ولكن هذا القول المنطقي الجاف ليس كافياً، فقد قالوا هذا، ثم تناولوا المعاني بعيداً عن الصور البيانية، وتناولوا الصور البيانية بعيداً عن المعاني فحالوا بذلك بين البلاغة والنقد الذي يمارس تقويم النصوص الأدبية على أسس من معايير الجمال البلاغي التي تعتمد الذوق السليم أساساً في فهم دقائق المعاني ولطائفها وأدراك الصور البيانية، وأنماط التعبير عنها، وتذوق الجمال البديعي من بين أساليبها.
ولكنك قد رأيت كيف أن عبد القاهر الجرجاني قد أظهر لك مزية النظم