للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة عبد القاهر الجرجاني إلى البديع]

وضع عبد القاهر الجرجاني (البديع) موضعه الحقيقي من علم البلاغة: فقد جعل بعض فنونه -كالمزاوجة، والتقسيم، والعكس، من النمط الأعلى من النظم، وقد علمت أن النظم هو أساس البلاغة التي تفرعت منهتاً مسائل علم المعاني، وصور البيان، وقيم الجمال البلاغي: المعنوية منها واللفظية - على حد سواء - وقد كانت ألوان البديع حتى عصر عبد القاهر الجرجاني داخلة في إطار علم البيان، من حيث الدراسة والتصنيف، بل أن بعض صور البيان -كالاستعارة والتمثيل - كانت معدودة -من قبله - في فنون البديع.

على أن عبد القاهر الجرجاني لم يكن يجعل البديع علماً مستقلاً، بل أنه لم يكن يجعل فنون البديع إلا صوراً من صور البيان، ندخل في إطار نظرية النظم مثلما تدخل صور البيان، ولهذا فإنه يسلك المزاوجة، والعكس، والتقسيم، والسجع، والاستعارة، والتشبيه في عقد النظم، ويجعلها من النظم الذي يتحد في الوضع، ويدق فيه المصنع، بل أنه ليمتدحه بأنه النمط العالي، والباب الأعظم، والذي لا ترى سلطان المزية يعظم في شيء كعظمة فيه" (١).


(١) دلائل الإعجاز ص ٦٦.