للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهناك ضرب آخر من الاستعارة: وهو ما كان كقول لبيد:

وغداة ريحٍ قد كشف وقرةٍ ... إذا أصبحت بيد الشمال زمامها

حيث جعل للشمال يداً، وهذا الضرب هو ما سمى عند المتأخرين باسم الاستعارة المكنية، وكان العلماء حتى عصر عبد القاهر يضمونه إلى الضرب الأول من الاستعارة، ولكنه فرق بينهما بما يلي:

أنك في الضرب الأول "أي في الاستعارة التصريحية" "تجعل الشيء ليس به" فإذا قلت "رأيت أسداً" كنت قد أدعيت في إنسان أنه أسد، وجعلته إياه، ولا يكون الإنسان أسداً.

ولكنك في الضرب الثاني: (أي في الاستعارة المكنية) "تجعل للشيء الشيء ليس له "فإذا قلت "إذا أصبحت بيد الشمال زمامها "فقد أدعيت أن للشمال يداً، ومعلوم أنه لا يكون للريح يد".

[الفرق بين الاستعارة والتشبيه البليغ]

وههنا وضع عبد القاهر ضابطاً للتفريق بين الاستعارة والتشبيه على حد المبالغة - أو التشبيه البليغ - على حد تعبير المتأخرين، لخصه فيما يلي:

أن جعلك المشبه المشبه به على ضربين:

أولهما: أن تنزله منزلة شيء وتذكره بأمر قد ثبت له، فأنت لا تحتاج إلى أن تعمل في إثبات وتزجيته، وذلك حيث تسقط ذكر المشبه من الشيئين