لما كانت نظرية النظم التي اهتدى إليها عبد القاهر الجرجاني مستقاة من كلام النقاد السابقين عن صحة النظم، وفساده عند الشعراء كالذي رأيته من حديث القاضي الجرجاني، عن روعة النظم وقبحه عند بعض الشعراء، من أمثال: أبي تمام، والبحتري، وأبي الطيب المتنبي وغيرهم، وكان اهتمامه منصرفاً كلية إلى فهم نقاد الشعر لتلك النظرية لأنهم هم الذين استطاعوا أن يكشفوا عن وجه النظم - على حد تعبير عبد القاهر الجرجاني - كما سبق أن أسلفنا -، وكان عليه أن ينوه بمكانة الشعر، وأن يرد على من زهد فيه ولما كانت نظرية النظم قائمة على أساس نحوي، وكان هنالك من يحاول في جدوى النحو وفائدته - كما في مناظرة أبي سعيد السيرافي ويونس بن متى - كان عليه - أيضاً - أن ينوه بعلم النحو وأن يرد على من زهد فيه.
على أنه من الطبيعي أن يتوجه النقد إلى نتاج قرائح الشعراء وإلى ما تضمنته حصائد ألسنتهم من مدح أو هجاء، أو غيرها من أغراض الشعر الأخرى، وأن يعرض كل ذلك على ميزان النقد بإظهار محاسنه ومساوئه بإبراز ما في أشعارهم من سلامة النظم وحسنه أو من فساد، وقبحه