للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين الصور البيانية، فبين مزايا لطائف المعاني ودقائقها في أحداث الصور البيانية الرائعة، بل وفي أحداث قيم الجمال البديعي بينها (١).

كانت نظرة عبد القاهر الجرجاني إلى البلاغة - إذن - مخالفة تماماً لنظرة المتأخرين إليها - فقد كان ينظر إلى البلاغة على أنها ذوق وإحساس، وجمال في التغيير، ولهذا فإنه قد جعل الذوق البلاغي السليم هو المعيار الصحيح لفهم البلاغة وبحث قضاياها، ودراسة مسائلها.

أما المتأخرون فإنهم كانوا ينظرون إليها على أنها قواعد علمية بحتة، يجب ضبطها بتعاريف جامعة مانعة، ولهذا فإنهم قد حكموا المنطق في الحكم على القضايا البلاغية التي تضمنها تراث عبد القاهر الجرجاني.

وبمعنى آخر: فإن عبد القاهر قد كان ينظر إلى البلاغة بمنظار الذوق الأدبي السليم، بينما نظر المتأخرون إليها بمنظار المنطق العلمي الجاف، وشتان ما بين النظريتين! !

وسنناقش أمرين من الأمور التي عكست نظرة المتأخرين إلى النظم الذي دارت حوله البلاغة في فكر عبد القاهر:

أولاً: اللفظ والمعنى:

زعم الخطيب القزويني أن في كلام عبد القاهر الجرجاني - عندما ذكر في مواضع كتابة الدلائل أن الفصاحة صفة "راجعة" إلى المعنى، وفي مواضع


(١) راجع كتابنا (نظرية البيان) بين عبد القاهر والمتأخرين من صـ ٧٨ إلى صـ ٩٨ وصـ ٢٥٤.