للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خامساً: ثمرة النظم هي: تصوير المعنى:

بعد أن أثبت عبد القاهر بما لا يدع مجالاً لأدنى شك، أن المزية إنما هي من حيز المعنى، وليست من حيز اللفظ أراد أن يفصل أمر هذه المزية، وأن يبين الجهات التي منها تعرض هذه المزية، فذكر أن ذلك أمر صعب ومطلب عسير، ولولا أنه كذلك لما وجدت الناس فيه بين منكر له أصلاً، ومتخيل له وجهاً غير وجهه، ومعتقد أنه لا تقوى عليه العبارة ولا تملك فيه إلا الإشارة، ولكنه استعان بالله تعالى: وتدرج في بيان ثمرة النظم، فبين أن تصوير المعنى إنما هو الهدف من النظم، وأن هذا التصوير يتألق في أروع صورة إذا جاء عن طريق الصور البيانية الأخاذة، كالكناية، والمجاز.

وقد ضمن ذلك فصلاً من دلائل الإعجاز جعله فصلاً في اللفظ يطلق والمراد به غير ظاهرة)، وافتتحه مبيناً أن لهذا الضرب من الكلام تفننه واتساعاً لا ينتهيان، إلا أنه على اتساعه وتفننه يدور في الأمر الأعم على موضوعين أثنين هما: الكناية، والمجاز.

فأما الكناية: فهي أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره بلفظه الموضوع له في اللغة بل يجيء إلى معنى هو تاليه ورد في الوجود، فيروي إليه ويجعله دليلاً عليه.

ومثال ذلك: قولهم: (هو طويل النجاد) يريدون أنه طويل القامة و (كثير رماد القدر) يريدون أن كثير القرى، وقولهم في المرأة: