للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الوجوه التي تقتضى تقديم كلام على كلام.

فإن أخذنا بالأول، لزمنا أن نقصر الفضيلة عليها حتى لا يكون إعجاز إلا بها، وفي ذلك من الفساد ما لا يخفي، لأنه يؤدي إلى إخراج البلاغة من حيز الإعجاز، لأن ذلك يخرج المعاني التي ذكروها في حدود البلاغة من: وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وتصحيح الأقسام، وحسن الترتيب والنظام، والإبداع في طريقته التشبيه والتمثيل، والإجمال ثم التفصيل ووضع الفصل والوصل موضعها، وتوفيه الحذف والتأكيد والتقديم والتأخير شروطها، لأنه لا تعلق لشيء من هذه المعاني بتلاؤم الحروف.

وأن جعلنا الفصاحة أحد ما نفاضل به، ووجهاً من الوجوه التي تقتضى المفاضلة بين كلام وكلام، لم يكن لهذا الخلاف ضرر، لأنه ليس بأكثر من أن نعمد إلى الفصاحة فنخرجها من حيز البلاغة والبيان، وأن تكون نظيره لهما، أو نجعلها أسماً مشتركاً، يقع تارة لما يقع له تلك وتارة أخرى لما يرجع إلى اللفظ مما يثقل على اللسان، وليس واحد من الأمرين بقادح فيما نحن بصدده.

ويمضى عبد القاهر في الرد على من يرجعون المزية في النظم للألفاظ مبطلاً، حججهم، ومزيلاً شبهاتهم، حتى يتفرغ لتفضيل أمر هذه المزية، وبيان الجهات التي تعرض منها.