للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثالثها: أنه يأتيك من الشيء الواحد بأشياء عدة، ويشتق من الأصل الواحد أغصاناً في كل غصن ثمرة على حدة فهو يعطيك من الزند بإبرائه (أي إخراج ناره) شبه البخيل الذي لا يعطيك شيئاً وشبه البليد الذي لا يكون له خاطر ينتج فائدة ويخرج معنى وشبه من يخب سعيه ونحو ذلك.

كما أنه يعطيك من القمر الشهرة في الرجل والنباهة

والعز والرفعة، ويعطيك الكمال عن النقصان، والنقصان بعد الكمال، كقولهم (هلال نما فعا دبدرا)، يراد بلوغ النجل الكريم المبلغ الذي يشبه أصله من الفضل، والعقل وسائر معاني الشرف (١).

أنظر إلى قول أبي تمام، يرثي ولدين لعبد الله بن طاهر وقدمتا في يوم واحد:

لهفى على تلك الشواهد منهما ... لو أمهلت حتى تصير شمائلاً

لغدا سكونهما حجى وصباهما ... كرماً وتلك الأربحية نائلاً

إن الهلال إذا رأيت نموه ... أيقنت أن سيصير بدراً كاملاً.

فقد شبه أبو تمام ما كان ينتظر من كل واحد منهما من النمو والارتقاء في درجات الكمال والفضل حتى يبلغ أعلى مراتب الحجي والكرم، والنوال بما يكون للقمر في نموه من مراتب يرتقي فيها من نقصان إلى زيادة حتى يصبر بدراً كاملاً.


(١) أسرار البلاغة صـ ١٠٦، صـ ١٠٧.