للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن القاضي الجراجاني قد سبق عيد القاهر الجرجاني في تقسيم التشبيه إلى البعيد القريب والغريب المبتذل، وإرجاع البعيد الغريب إلى أعمال الفكر والروية، والقريب المبتذل إلى أنه لا يحتاج إلى أعمال الفكر والروية، فقد ذكر القاضي الجرجاني في السرقات الشعرية تشبيهات كثيرة قد تداولت بين العرب وصنفها صنفين: عام مشترك: وأرجع تداوله وكثره ظهره إلى أنه مركب في النفس تركيب الخلقة (أي أنه لا يحوج في فهمه إلى أعمال الفكر والروية) وصنف سبق إليه المتقدم، وأرجع تداوله إلى كثره استعماله واستفاضته على ألسنة الشعراء، وأن لم يكن قد أتى إلا عن روية كثيرة أو فكر طويل (١).

وقد أتى القاضي الجرجاني بألوان من التشبيه الذي يعتبره البلاغيون قريباً مبتذلاً، وبين أن الشعر قد تصرفوا فيه بما أخرجه عن دائرة الابتذال إلى دائرة الاختراع والابتداع (٢) فأوحت هذه الفكرة إلى عبد القاهر الجرجاني أن يبحث مسألة التصرف في التشبيه القريب المبتذل بما يجعله بعيداً غريباً (٣).


(١) الوساطة صـ ١٨٤، صـ ١٨٥.
(٢) الوساطة صـ ١٨٦، صـ ١٨٧، صـ ١٨٨.
(٣) أسرار البلاغة صـ ١٢٧.