للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كلام جيد بالغ الجودة، ولكن عبد القاهر الجرجاني لم يحوجنا إلى أعمال الفكر والروية حتى نهتدي إلى منبع فكرته عن بعد التشبهي وغرابته - والتي تدور حول أعمال الفكر والروية فقد صرح بأنه نقل فكرته هذه عن الجاحظ، فقال "وقال الجاحظ في أثناء فصل يذكر فيه ما في الفكر والنظر ومن الفضيلة -"وأين تقع لذة البهيمة بالعلوفة، ولذة السبع يلطع الدم وأكل اللحم" من سرور الظفر بالأعداء، ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان قرعة وبعد: فإذا أعدت الحلبات لجري الجياد، ونصبت الأهداف ليعرف فضل الرماه في الأبعاد والسداد، فرهان العقول التي تستبق، ونضالها الذي تمتحن قواها في تعاطيه هو الفكر والروية والقياس والاستنباط ولن يبعد المدى في ذلك - ولا يدق المرمى إلا بما تقدم من تقرير الشبه بين الأشياء المختلفة، فإن الأشياء المشتركة في الجنس المتفقة في النوع، تستغني بثبوت الشبه بينها وقيام الاتفاق فيها عن تعمل وتأمل في إيجاب ذلك لها وتثبيته فيها، وأنها لصنعة تستدعي جودة القريحة والحذق الذي يلطف ويدق في أن يجمع أعناق المتنافرات المتباينات في ريقه، ويعقد بين الأجنبيات معاقد نسب وشبكة، وما شرفت صنعة، ولا ذكر بالفضيلة عمل إلا لأنهما يحتاجان من دقة الفكر ولطف النظر ونفاذ الخاطر إلى ما لا يحتاج إليه غيرهما (١).


(١) أسرار البلاغة صـ ١١٧، صـ ١١٨، صـ ١١٩.