للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنك لو جئت بأجزاء مخالفة ثم أردتها على أن تصير إلى الصورة التي كانت من تلك الأولى طلبت ما يستحيل (١) وقد ذكر الدكتور محمد أبو موسى: أن لهذه الفكرة منبتاً عند الجاحظ، مما رواه من قول سهل بن هرون في بيان أن الناس لو سمعوا رجلين كلاهما على مقدار واحد من البلاغة وكان أحدهما قبيحاً ذميماً والآخر جميلاً نبيلاً، لكان إعجابهم بالقبيح الذميم أكثر من أعجابهم بالآخر وذلك كما يقول: لأن الشيء من غير معدنه أغرب وكلما كان أغرب كان أبعد في الوهم، وكلما كان أبعد في الوهم كان أطرف، وكلما كان أطرف كان أعجب، وكلما كان أعجب كان أبدع، وإنما ذلك كنوادر وكلام الصبيان وملح المجانين، فإن ضحك السامعين من ذلك أشد وتعجبهم به أكثر، والناس موكلون بتعظيم الغريب واستطراف البعيد وليس لهم في الموجود الراهن، وفيما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي لهم في الغريب القليل، وفي النادر الشاذ.

ثم يقول الدكتور أبو موسى "وقد انتفع عبد القاهر بذلك النص انتفاعاً ذكياً في باب التمثيل وبيان أثره في النفوس، ولا بد أن يكون ذلك أساس الفرق في التشبيه الغريب البعيد، والمبتذل القريب لأن مسألة ظهور الشيء من مكان لم يعهد ظهوره منه - التي هي لب هذا النص - محور أساسي في دراسة أسباب تأثير التمثيل، وأسباب الغرابة والطرافة في التشبيه مطلقاً (٢).


(١) أسرار البلاغة صـ ١٢١، صـ ١٢٢.
(٢) خصائص التراكيب صـ ١٨، صـ ١٩.