للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا تدرك خطأهم في تصورهم للبلاغة، فقد قسموها علوماً ثلاثة، هي (المعاني) و (البيان) و (البديع)، لأنهم لم ينظروا إلى البلاغة نظرة عبد القاهر الجرجاني إليها، فقد كان عبد القاهر ينظر إلى البلاغة على أنها علم واحد أساسه النظم الذي تتفرع منه مسائل المعاني، ومن هذه المعاني تتكون الصور البيانية الرائعة، من تشبيه ومجاز، وكناية، واستعارة، وتمثيل - على حد الاستعارة - متضمنة قيماً جمالية، راجعة إلى جمال المعاني قبل أن تكون زينة للألفاظ (١).

سادساً: نظرية النظم:

وبعد أن تدرج عبد القاهر الجرجاني بالقارئ في بيان فكرة النظم وفي كيفية بنائها، وبيان هدفها الاسمي، وهو: تصوير المعنى في صورة رائعة جذابة، وأن هذه الصور، إنما تتبرج وتتزين، وتلوح في أبهى حللها، وأجمل مظاهرها عندما تكون في صورة بيانية رائعة كالمجاز والاستعارة، والتمثيل، صاغ هذا كله في نظرية متكاملة أجملها في قوله: (تتبع معاني النحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام) مستنبطاً هذه النظرية - كما أسلفنا - من تصرف النقاد السابقين، وبخاصة من وساطة القاضي الجرجاني بين المتنبي وخصومه، جاعلاً شطر النظرية وهو (تتبع معاني النحو فيما بين الكلم) - في فصل، وشطرها الثاني وهو "على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام" - في فصل آخر.


(١) راجع في هذا كتابنا نظرية البيان بين عبد القاهر والمتأخرين صـ ٢٥٣.