للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنك في فعلك كمن يفعل ذلك.

وتقول للرجل يعمل الحيلة - حتى يميل صاحبه إلى الشيء قد كان ياباه - ويمتنع منه: (ما زال يفتل في الذروة والغارب حتى بلغ منه ما أراد) فتجعله بظاهر اللفظ كأنه كان منه قتل في ذروة وغارب والمعنى على أنه لم يزل يرفق بصاحبه رفقاً يشبه حاله فيه حال الرجل يجيء إلى البعير الصعب فيحكه ويفتل الشعر في ذروته وغاربه حتى يسكن ويستأنس.

ونظير ذلك قولهم: (١) (فلان يقود فلاناً) يعني: أنه يتطلف له فعل الرجل ينزع القراد من البعير ليلذه ذلك فيسكن ويثبت في مكانه حتى يتمكن من أخذه.

وهكذا كل كلام رأيتهم نحواً فيه التمثيل، ثم لم يفصحوا بذلك، وأخرجوا اللفظ مخرجه إذا لم يريدوا تمثيلاً (٢)، وهكذا تدرك أن عبد القاهر الجرجاني قد جعل الصور البيانية الرائعة أداة لتصوير المعنى الذي تضمنه نظم الكلام، ولم يفصل بينهما وبين المعاني - كما فعل المتأخرون - اللهم إلا ما قالوه من أن المعاني من البيان بمنزلة المفرد من المركب (٣)


(١) مجمع الأمثال جـ ١ صـ ٢٧.
(٢) دلائل الإعجاز صـ ٤٦، صـ ٤٧.
(٣) المطول لسعد الدين التفتازاني صـ ٣٣.