للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أن يجئ المعنى ابتداء في صورة التمثيل - وهو نادر قليل - ولكنه على ندرته في كلام البلغاء كثير في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}.

وثانيهما: أن يجيء في أعقاب المعاني لإيضاحها وتقريرها في النفوس، كما في قول أبي تمام.

وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود

[أسباب تأثير التمثيل في النفس]

وجد عبد القاهر الجرجاني بذوقه السليم وحسه المرهف، وذكائه الخارق أن أسباب تأثير التكتيل في النفوس ترجع إلى أمور أربعة:

أولهما: أن أنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي كأن تنقلها عن العقل إلى الحس وعما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالطبع، لأن العلم المستفاد من طريق الحواس أو المركوز في الطباع يفضل المستفاد من جهة النظر والفكر في القوة والاستحكام.

فقد قالوا "ليس الخبر كالمعاينة ولا الظن كلايقين" كما أن العلم الأول قد أتى النفس أولاً عن طريق الحواس والطباع، ثم عن طريق النظرية والروية، فهو إذن -أمس بها رحيماً، وأقوى