للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهيا ذمماً.

وذلك لأن المعاني التي يجيء التمثيل في عقبها على ضربين غريب بديع يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه أو استحاله وجوده كما في قول الشاعر:

فان تفق الأنام - وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال.

وضرب لا يكون غريباً ولا نادراً فلا يحتاج إلى بينة وحجة وإثبات كأن تنفي عن فعل من الأفعال التي بفعلها الإنسان الفائدة وتدعى أنه لا يحصل من سعيه على طائل، ثم تمثله بالقابض على الماء والراقم فيه، كما في قول الشاعر:

فأصبحت من ليلي الغداة كقابض على الماء خانته فروج الأصابع

وإذا ثبت أن المعاني الممثلة تكون على هذين الضربين، فإن فائدة التمثيل وسبب الأنس في الأول بين "واضح"، لأنه يفيد فيه الصحة ونفي الريب والشك، وأما الضرب الثاني فهو وإن كان لا يفيد فيه هذا النوع من الفائدة، فهو يفيد أمراً آخر يجرى مجراه، وهو بيان المقدار فيه، ووضع قياس من غيره يكشف عن حده ومبلغه في القوة والضعف والزيادة والنقصان فإذا رجعت إلى ما تبصر وتحس عرفت ذلك بحقيقته، وكما يوزن ب القسطاس.

فالشاعر لما قال: "كقابض على الماء خانته فروج الأصابع" أراك رؤية لا تشك معها ولا ترتاب أنه بمبلغ في خيبة ظنه وسوار سعيه إلى اقصى المبالغ وأنتهى فيه إلى أبعد الغايات، وما ذلك إلا بالتمثيل، فنحن نعلم أن المشاهدة تؤثر في النفوس حتى مع العلم بصدق الخبر، كما أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام في قوله: "بلى ولكن ليطمئن قلبي".

ومما يدل على أن التمثيل بالمشاهدة يزيد أنساً - وأن لم يكن بك حاجة إلى تصحيح المعاني ولا إلى بيان لمقدار المبالغة