للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه - أن تعبر عن المعنى بالعبارة المؤدية له، وتبالغ وتجتهد حتى لا تدع في النفوس فزعاً، كأن تصف يوماً بالطول، فتقول (يوم كأطول ما يتوهم) ويوم كأنه لا آخر له) فلا تجد له من الأنس ما تجده لقوله:

ويوم كظل الرمح قصر طوله ... دم الزق عنا واصطاف المزاهر

على أن عبارتك الأولى أشد واقوى في المبالغة من هذا، وذلك لأن ظل الرمح متناه تدرك العين نهايته، وأنت قد أخبرت عن اليوم بأنه كأنه لا آخر له.

وكذلك تقول: يوم كأقصر ما يتصور، وكأنه ساعة، وكلمح البصر فتجد هذا مع كونه تمثيلاً لا يؤنسك إيناس قولهم:

بلدت من يوم كظل حصاة ... ليلاً كظل الرمح غير موات

وقول الآخر:

ظللنا عند باب أبي نعيم ... بيوم مثل سالفة الذباب

وكذلك تقول: "فلان غذا هم ب الشيء لم يزل ذاك عن ذكره وقلبه وقصر خواطره على إمضاء عزمه ولم يشغله شيء" عنه فتحتاط للمعنى بأبلغ ما يمكن ثم لا نرى في نفسك له هزة ولا تصادف لما تسمعه أربحية وإنما تسمح حديثاً ساذجاً وخبراً عفلاً، حتى إذا قلت:

إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ونكب عن ذكر العواقب جانباً

امتلأت نفسك سروراً، وأدركتك طرية - كما يقول القاضي أبو الحسن - لا تملك دفعها عنك ولا تقل أن ذلك لمكان الإيجاز، فإنه وأن كان يوجب شيئاً منه، فليس الأصل له، بل لأن أراك العزم وافقاً بين العينين، وفتح إلى مكان المعقول من قلبك باباً من العين.