للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجارية عن فطرتهم، فأما يتعلق باختلاف لغات القبائل فذلك شيء مسلم به ومأخوذ عنهم، وكل ذلك محصور بالتتبع والرواية والسماع والقياس المطرد على الأصل المعروف من غير تحريف، وإنما دخل العجب على المنطقيين لظنهم أن المعاني لا تعرف ولا تستوضح إلا بطريقتهم ونظرهم وتكلفهم. إذا قال لك القائل: كن نحوياً لغوياً فصيحاً فإنما يريد: أفهم عن نفسك ما تقول، ثم رم أن يفهم عنك غيرك، وقدر اللفظ على المعنى، فلا ينقص عنه.

هذا إذا كنت في تحقيق شيء على ما هو به، فأما إذا حاولت فرش المعنى وبسط المراد، فأجل اللفظ بالرواد في الموضحة، والأشباه المقربة والاستعارات الممتعة، وسدد المعاني بالبلاغة (١).

لا بد أن عبد القاهر قد قرأ هذا، فقد وردت في العبارة السابقة عبارة "معاني النحو" ولفظه "التتبع" تلك التي نجد لها أثراً في قوله: عندما يعرف النظم بقوله: تتبع معاني النحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يوضع لها الكلام.

ولعله قد قرأ -أيضاً - ما نقلناه لك عن القاضي عبد الجيار - حول فكره النظم والتي كان متأثراً فيها هو الآخر بفكرة القاضي الجرجاني عن جوهر الكلام، وموقعه، ومكانه من النظم.


(١) راجع الجزء الثامن معجم الأدباء صـ ١٩٠ وما بعدها (طبعة دار المأمون القاهرة).