للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا ما أحسن البعض وسلم نظمه، فإن علة الحسن، وسلامة النظم، ربما لم تكن ظاهرة بينة في ذلك الوقت وإذا ما أساء البعض الآخر وفسد نظمه فإن علة القبح وفساد النظم تبدو بينة جلية، وذلك بمقارنة السيء بالحسن والفاسد بالسليم إذ يبدو الفرق واضحاً جلياً عند المقارنة والموازنة.

وذلك بخلاف ما إذا كانت المقارنة بين أسلوبين كل منهما سليم النظم صحيح التأليف، لأنه ما دام النظم سليماً والتأليف صحيحاً فإن الفرق بين الأسلوبيين لا يبدو واضحاً جلياً، كالذي قالوه من قولهم (قد يخفي سببه عن البحث، ويظهر اثره في النفس لأنك تجد كلامين أحدهما يهزك ويطربك وتنتشي له، والآخر ليس كذلك وهم فصيحان، ثم لا يوقف على شيء مسمن ذلك على علة) (١).

ولهذا كانت المقارنة بين أساليب الشعراء والموازنة بينهم من حيث الإحسان والإساءة - والإجادة والتقصير وعلى الأخص: من حيث سلامة النظم وحسنه وفساده وقبحه، مبينة وموضحة لعلل السلامة والفساد وأسباب الحسن والقبح، ومن ثم فإنها كانت كاشفة عن وجه النظم على حد تعبير عبد القاهر الجرجاني، ولهذا كله فإن عبد القاهر الجرجاني قد أشاد بالشعر، وهي على من زهد في روايته، لأنه عن طريق نقده - وبيان جيده من رديئة، وحسنه من قبيحة يظهر ميزان البلاغة ومعيارها، وهو النظم السليم، الذي غذا ما عرفت طريقة الصحيح، وسبيلة القويم، فقد عرفت معيار النقد الأدبي السليم


(١) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن صـ ٢٤.