للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولأن عبد القاهر وهو يكتب الأسرار كان في مرحلة فكرية مبكرة من حياته فإنه لم يكن وقتها على ذكر من أن الكتابة هي أحد أعمدة البيان، لأن فكرته عن نظرية البيان إنما استلهمها من كتاب" نقد الشعر" لقدامة، (١) وعبد القاهر - وهو يكتب الأسرار - لم يكن قد أطلع على كتاب "نقد الشعر" لقدامه، لأنه في تلك المرحلة المبكرة من حياته لم يكن قد أتيح له الحصول على ما كان يريد قراءته من كتب، وقد أجمع المؤرخون على أنه قد أقام بجرجان ولم يبرحها، (٢) فربما كانت الظروف السياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة قد حالت بينه وبين أن يقصد بغداد بحثاً عن كتاب قدامه وقد كان العصر الذي عاش فيه عبد القاهر عصر حروب ومغامرات بين طلاب الملك والسلطان في الرقعة الواسعة التي كانت الدولة العباسية تحكمها، وتاريخ تلك الفترة مصبوغ بالدماء - كما يقولون - فلعله آثر الحياة الهادئة في ظلال العلم فعكف عليها وأخلص لها (٣)

وربما كان السبب في عدم استطاعته الحصول على كتاب نقد الشعر في مقتبل عمره، هو ضيق ذات اليد، فقد كان عبد القاهر مقتراً عليه في الرزق ولم يكن يحيا حياة سعيدة، وما خلفه لنا من شعر ينبض بالسخط على حظ العلماء في هذه الحياة. (٤)


(١) راجع نظرية البيان بين عبد القاهر والمتأخرين للمؤلف من صـ ٥٢.
(٢) أنباء الرواة جـ ٢ صـ ١٨٩.
(٣) عبد القاهر الجرجاني للدكتور أحمد بدوي صـ ١٩ صـ ٢٠ (أعلام العرب).
(٤) شذرات الذهب جـ ٣ صـ ٣٤٠ وابن مكتوم صـ ١١٢ وطبقات الشافعية جـ ٣ صـ ٢٤٢ وبغية الرعاة صـ ١١٣ وفوات الوفيات جـ ١ صـ ٢٥٩.