للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسر في هذا: أن نظرية البيان قد استقاها من تعريف قدامه في كتابه "نقد الشعر" - لكل من الارداف (أي الكتابية) والتمثيل فقد عرف قدامه الأرداف (أي الكناية) بأنه: (أن يردي الشاعر دلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى - بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له).

وأردف قدامه هذا التعريف بتعريف التمثيل بأنه "أن يريد الشاعر إثبات معنى، فيضع كلاماً على معنى آخر، وذلك المعنى الآخر والكلام منبئان عما أراد أن يشير إليه).

ورأي عبد القاهر الجرجاني هذين التعريفين للارداف والتمثيل في كتاب نقد الشعر لقدامه، فأدارهما في ذهنه - ولكنه لم يترضى التسمية للكناية بأنها (الأرداف) - ووجد من التعريفين: أن طريق الدلالة فيهما واحد وهو: أن تعبر عن معنى وأنت تقصد بهذا المعنى معنى آخر، ومن هنا صاغ نظريته في البيان - والتي تجدها في الدلائل ولخصها في قوله (المعنى - ومعنى، تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى: أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر).

وتلك النظرية هي المدخل الحقيقي إلى "علم البيان" ذلك المدخل الذي قال فيه (الكلام على ضربين: ضربت أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثلاً بالخروج على الحقيقة، فقلت خرج زيد، وبالانطلاق عن عمرو فقتل: عمرو منطلق، وعلى هذا القياس، وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده