للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

..................................................................................


= فدل على أنه لا حق لهما فيما طلبتاه من النفقة في حال الإعسار، وإذا كان طلبهما لها باطلاً؛ فكيف تمكن المرأة من فسخ النكاح بعدم ما ليس لها طلبه، ولا يحل لها؟.
[وأورد عليه أولاً] : أن الحديث ليس في محل النزاع أصلاً، فإن أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعدمن النفقة بالكلية؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد استعاذ من الفقر المدقع. فالظاهر بل الحق الذي لا ينبغي النزاع فيه أن ذلك فيما زاد على ما به قوام البدن، مما يعتاد الناس النزاع في مثله.
ثانياً: أنه لو سلم أن الحديث في الإعسار بالنفقة، فزجرهما عن المطالبة بما ليس عنده، لا يدل على امتناع المطالبة بالفسخ؛ لأجل الإعسار، فإن المطالبة بما ليس عنده تكليف بما لا يطاق بخلاف المطالبة بالفسخ، فإنها مطالبة بما يرفع الضرر، ولم يرد أنهن طلبن الفسخ، ولم يجبن إليه، كيف وقد خيرهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، فاخترنه.
[ب] إن الصحابة لم يزل فيهم المعسر والموسر، وكان معسروهم أضعاف موسريهم، فما مكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة قط من الفسخ بإعسار زوجها، ولا أعلمها أن الفسخ حق لها، ولو كان من المستقر في الشرع أن المرأة تملك الفسخ بإعسار زوجها؛ لرفع إليه ذلك، ولو من امرأة واحدة فإنهن قد رفعن إليه وأنذر فيما هو دون ذلك، شكاتهن منه، كما في حديث امرأة رفاعة.
[وأورد عليه] أن كثرة المعسرين في الصحابة لا تدل على أن فيهم من كان عجز عن الإنفاق على زوجته، وتضررت بعجزه، فعلى المستدل أن يثبت أن من الصحابة من عجز عن الإنفاق ثم طالبت امرأته بالفراق، فلم يمكنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك، ودون إثبات هذا فرط القتاد.
وأما المعقول، فوجوه:
١- أن المقرر شرعاً ارتكاب أخف الضررين، إذا لم يكن مناص من ارتكاب أحدهما، واجب.
ولا شك أن في إلزام الفرقة إبطال حق الزوج بالكلية، وفي إلزام الإنظار عليها، والاستدانة عليه تأخير حقها، وتأخير الحق أهون شأناً من الإبطال، فوجب المصير إليه؛ عملاً بذلك الأصل.
[أقول:] يمكن أن يعارض بأن في إلزام الفرقة فوات حق يمكن الصبر عنه، وهو حق الزوج في حبس الزوجة، وفي إلزام الإنظار تأخير حق لا يمكن الصبر عنه، وهو حق الزوجة في القوت ونحوه، فوجب المصير إلى ما يمكن الصبر عنه، وهو الإلزام بالفراقة، إذا طلبتها الزوجة لرفع ضررها.
على أن تأخير الحق إنما يكون أهون من إبطاله لو كان أخف ضرراً منه، أما وهو أشد ضرراً فلا.
[ب] إن المال غاد ورائح، وقد جعل الله الفقر والغنى مطية للعباد، فيفتقر الرجل الوقت، ويستغنى الوقت، فلو كان كل من افتقر فسخت عليه امرأته لعم البلاء وتفاقم الشر، وفسخت أنكحة أكثر العالم، وكان الفراق بيد أكثر النساء فمن ذا الذي لم تصبه عسرة، ويعوز النفقة أحياناً؟.
[ويمكن أن يرد عليه] : أن المعسرين بنفقة أزواجهم قليلون، والممسكون أزواجهم مع هذا الإعسار أقل، والنساء المطالبات بحق الفسخ مع هذا الإمساك أقل وأقل، فلا يلزم من إثبات هذا الحق تفاقم الشر، ولا كثرة البلاء.
[ج] أنه تعذر من المرأة الاستمتاع بمرض متطاول، وأعسرت بالجماع لم يمكن الزوج من فسخ النكاح، بل تجب عليه النفقة كاملة، فكيف تمكن هي من الفسخ بإعساره عن النفقة التي غايتها أن تكون عوضاً عن الاستمتاع؟.=

<<  <  ج: ص:  >  >>