[ولك أن تجيب] أولاً بأن التفرقة يكون الوطء مقصوداً، والمال تابعاً لا أثر لها؛ لأن الشارع إنما أثبت حق الفسخ بالجب، والعنة للتضرر، هذه هي العلة المناسبة، ولا فرق بين التضرر بمقصود، وتابع، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ضرر ولا ضرار" ولم يفرق. وثانياً بأن التفرقة بالدينية وعدمها لا أثر لها؛ لأن ثبوت الدين في الذمة لا يرفع الضرر الحاصل بالجوع والعري، والاستدانة التي لا أمد لها فيها من العسر ما لا يختلف فيه اثنان. ٣- واستدل القائلون بأنه لا يثبت للزوجة حق طلب الفراق، بالكتاب والسنة والمعقول. أما الكتاب فمنه: ١- قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] . وجه الدلالة: أن الله تعالى أمر الدائن بإنظار مدينه المعسر إلى ميسرة وغاية النفقة أن تكون ديناً في ذمة الزوج المعسر لزوجته فهي مأمورة بإنظاره، حتى يوسر. هذا إن قيل: إنها تجب، وتصير ديناً ثابتاً في الذمة، فإن قيل: إنها لا تجب أصلاً، أو تجب ثم تسقط بمضي الزمان، كان صبرها عليه أولى بالوجوب من صبر الدائن على المدين. [ولك أن تورد عليه] أن من أثبت للزوجة حق طلب الفراق، لم يثبته للدينية، حتى تقاس على الدائن، ولذا لم يثبته للنفقة الماضية مع كونها ديناً، وإنما أثبته للضرر، ولعدم تسليم ما يقابل الاحتباس، وكلاهما حاصل مع الإعسار. [ب] قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧] . وجه الدلالة: أن الله عز وجل أخبر بأنه لا يكلف نفساً إلا ما آتاها من المال أو الكسب فمن أعسر بالنفقة، وعجز عنها لا تكليف عليه بها، فلم يترك ما وجب عليه، ولم يأثم، فلا يكون ذلك سبباً للتفريق بينه، وبين حبه وسكته، وتعذيبه بذلك. [ويمكن أن يناقش] بأن غاية ما دلت عليه الآية عدم تكليفه إيتاء النفقة في هذه الحالة، ولا يلزم من ذلك بقاء زوجته على الضرر فالتفريق ليس من قبيل تعذيبه على إثم ارتكبه، وإنما هومن قبيل رفع الضرر عن زوجته. وأما السنة، فوجهان: ٢- ما في صحيج مسلم من حديث جابر: "دخل أبو بكر وعمر –رضي الله عنهما- على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجداه جالساً حوله نساؤه واجما ساكنا، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة، سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وقال: هن حولي، كما ترى، يسألني النفقة فقام ابو بكر –رضي الله عنه- إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر –رضي الله عنه- إلى حفصة –رضي الله عنها- يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ليس عنده: فقلن: والله لا نسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً أبداً ما ليس عنده، ثم اعتزلهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً، وذكر الحديث". وجه الدلالة فيه: أن أبا بكر وعمر ضربا ابنتيهما بحضرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سألاه نفقة لا يجدها، ومن المحال أن يضربا طالبتين للحق، ويقرهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك.=