للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَاسْتَمَرَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ "النَّهْرَوَانُ" فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ.

قَوْلُهُ: "ثَبَتَ أن أهل "الجمل" و"صفين" و"النهروان بُغَاةٌ"، هُوَ كَمَا قَالَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ


=
وأول التشاجر الذي ورد ... إن خضت فيه واجتنب داء الحسد
وقد وقع تشاجر بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وقد افترقت الصحابة ثلاث فرق: فرقة اجتهدت، فظهر لها أن الحق مع علي، فقاتلت معه، وفرقة اجتهدت، فظهر لها أن الحق مع معاوية، فقاتلت معه، وفرقة توفقت.
وقد قال العلماء: المصيب بأجرين والمخطئ بأجر، وقد شهد الله ورسوله لهم بالعدالة، والمراد تأويل ذلك أن يصرف إلى محمل حسن لتحسين الظن بهم فلم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم؛ لأنهم مجتهدون. وقوله: "إن خضت فيه" أي إن قدر أنك خضت فيه فأوله: ولا تنقص أحداً منهم، وإنما قال المصنف ذلك؛ لأن الشخص ليس مأموراً بالخوض فيما جرى بينهم، فإنه ليس من العقائد الدينية، ولا من القواعد الكلامية وليس مما ينتفع به في الدين، بل ربما ضر في اليقين، فلا يباح الخوض فيه إلا للرد على المتعصبين؛ أو للتعليم كتدريس الكتب التي تشتمل على الآثار المتعلقة بذلك، وأما العوام فلا يجوز لهم الخوض فيه لشدة جلعهم، وعدم معرفتهم بالتأويل.
وقال السعد التفتازاني: "يجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم، وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم على محامل وتأويلات، سيما المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان، ومن شهد بدراً وأحداً والحديبية، فقال: انعقد على علو شأنهم الإجماع، وشهد بذلك الآيات الصراح، والأخبار الصحاح".
"وللروافض سيما الغلاة منهم مبالغات في يغض الصحابة رضي الله عنهم والطعن فيهم بناء على حكايات وأفتراءات لم تكن في القرن الثاني والثالث، فإياك والإصغاء إليها، فإنها تصل الأحداث، وتحير الأوساط وإن كانت لا تؤثر فيمن له استقامة على الصراط المستقيم، وكفاك شاهداً على ما ذكرنا أنها لم تكن في القرون السالفة ولا فيما بين العترة الطاهرة، بل ثناؤهم على عظماء الصحابة وعلماء السنة والجماعة، والمهديين من خلفاء الدين مشهور وفي خطبتهم ورسائلهم وأشعارهم ومدائحهم مذكورة".
وقال العلامة المرعشي في "نشر الطوالع":
"يجب تعظيم جميع أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والكف عن مطاعتهم، وحسن الظن بهم، وترك التعصب والبغض لأجل بعضهم على بعض، وترك الإفراط في محبة بعضهم على وجه يفضي إلى عداوة آخرين منهم والقدح فيهم، فإن الله تعالى أثنى عليهم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ... } [التحريم: ٨] الآية.
وقد أحبهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثنى عليهم وأوصى أمته بعدم سبهم وبغضهم وأذاهم، ما ورد من المطاعن: فعلى تقدير صحته له محامل وتأويلات، ومع ذلك لا يعادل ما ورد في مناقبهم، وحكي عن آثارهم المرضية وسيرهم الحميدة نفعنا الله أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلفت اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفة باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه فعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة أمام العدل في قتال البغاة.
وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>