للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا حَكَاهُ أَبُو مصعف، عَنْ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ


= فذهب الحنفية، والحنابلة إلى أنه اليد اليمنى، والرجل اليسرى وذهب المالكية، والشافعية إلى أنه اليدان والرجلان وذهب داود وربيعة إلى أنه اليدان فقط.
وذهب عطاء إلى أنه اليد اليمنى خاصة.
استدل الحنفية، والحنابلة بأدلة منها ما يخص اليد اليمنى ومنها مما يعم اليد اليمنى والرجل اليسرى.
أمام ما يخص اليد اليمنى، فقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] .
ووجه الدلالة أن المراد بأيديهما أيمانهما لقراءة عبد الله بن مسعود: [فاقطعوا أيمانهما] وهي خبر مشهور مقيد لإطلاق الآية. فالذي يقطع من السارق والسارقة ينص الآية اليد اليمنى فاليد اليسرى خارجة من إطلاق الآية بهذه القراءة. ولم يثبت في السنة من طريق صحيح تعلق القطع بها في السرقة. فعلم من ذلك أنها ليست فقط للقطع.
وأما ما يعم اليد اليمنى، والرجل اليسرى. فأولاً: ما رواه الدارقطني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى، فإن عاد قطعت رجله اليسرى فإن عاد ضمنته السجن حتى يحدث خيراً. إني لأستحي من الله أن أدعه ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها، ورجل يمشي عليها.
وثانياً: ما رواه ابن أبي شيبة أن نجده كتب إلى ابن عباس يسأله عن السارق فكتب إليه بمثل قول علي.
وثالثاً: ما رواه ابن أبي شيبة. أن عمر رضي الله عنه قال: إذا سرق فاقطعوا يده ثم إن عاد فاقطعوا رجله. ولا تقطعوا يده الأخرى. وذروه يأكل بها ويستنجي بها.
ورابعاً: ما رواه ابن أبي شيبة أن عمر رضي الله عنه استشار الصحابة في سارق، فأجمعوا على مثل قول علي.
فهذه الآثار جميعها صريحة في أن ما يقطع من السارق إنما هو اليد اليمنى والرجل اليسرى. ثم إن عاد إلى السرقة بعد قطعها. أودع السجن حتى يظهر صلاح حاله.
واستدل المالكية، والشافعية بأدلة: منها ما يخص اليدين، ومنها ما يعم اليدين والرجلين.
أما ما يخص اليدين. فأولاً: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] فإن اسم اليد يطلق على اليد اليسرى كما يطلق على اليد اليمنى.
وقد أمر الله تعالى بقطع يدي كل من السارق والسارقة. فظاهر النص قطعهما معاً ولولا قيام الإجماع على عدم قطعهما معاً في سرقة واحدة، وعلى عدم الابتداء باليسرى.
وأجيب عنه بأن نص الآية لا يتناول اليد اليسرى لتقييده باليمنى، من قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وثانياً: ما رواه مالك في "الموطأ" عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من اليمن أقطع اليد والرجل، قدم فنزل على أبي بكر الصديق، فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه، فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر رضي الله عنه: وأبيك ما ليلك بليل سارق، ثم إنهم فقدوا عقداً لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجعل الرجل يطوف معهم، ويقول: للهم عليك بمن بليت لأهل هذا البيت الصالح، فوجدوا الحلى عند صائغ، زعم أن الأقطع جاء به، فاعترف الأقطع، أو شهد عليه، فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى. وقال أبو بكر لدماؤه على نفسه أشد عليه من سرقته. فهذا الأمر، صريح في أن اليد اليسرى محل للقطع، =

<<  <  ج: ص:  >  >>