للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلُهُ: "وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشْرِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى النُّقْصَانُ عَنْ الْحَدِّ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَمَنْسُوخٌ؛ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَاحْتُجَّ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ"، انْتَهَى.

وَقَدْ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: أُحِبُّ أَنْ يُضْرَبَ بِالدِّرَّةِ، فَإِنْ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَإِنْ ضُرِبَ بِالدِّرَّةِ فَلَا يُزَادُ عَلَى التِّسْعَةِ وَثَلَاثِينَ انْتَهَى، وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ السِّيَاطِ وَالدِّرَّةِ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَقْيِيدِ الْخَبَرِ بِالْأَسْوَاطِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي مِقْدَارِ التَّعْزِيرِ آثَارٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَحْسَنُ مَا يُصَارُ إلَيْهِ فِي هَذَا مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ مِنْ طُرُقٍ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إلَى مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العزيز: "أن لا يَبْلُغَ فِي التَّعْزِيرِ أَدْنَى الحدود، أربعين سوط" ١.

قُلْتُ: "فَتَبَيَّنَ بِمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ؛ ألا اتِّفَاقَ عَلَى عَمَلٍ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، وَيُصَارُ إلَى مَا يُخَالِفُهُ مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ، وَسَبَقَ إلَى دَعْوَى عَمَلِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ الْأَصِيلِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَعُمْدَتُهُمْ كَوْنُ عُمَرَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَأَنَّ الْحَدَّ الْأَصْلِيَّ أَرْبَعُونَ، وَالثَّانِيَةَ ضَرَبَهَا تَعْزِيرًا؛ لَكِنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ الْمُتَقَدِّمَ دَالٌّ على أنما عمر ضَرَبَ ثَمَانِينَ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا الْحَدُّ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَأَمَّا النَّسْخُ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، نَعَمْ لَوْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ لَدَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ نَاسِخًا، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْدِيبِ الصَّادِرِ مِنْ غَيْرِ الْوُلَاةِ؛ كَالسَّيِّدِ يَضْرِبُ عَبْدَهُ، وَالزَّوْجِ امْرَأَتَهُ، وَالْأَبِ وَلَدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".


= وقع له فيه ما وقع لبكير بن الأشج في تحديث عبد الرحمن بن جابر لسليمان بحضرة بكير ثم تحديث سليمان بكيراً به عن عبد الرحمن، أو أن عبد الرحمن سمع أبا بردة لما حدث به أباه وثبته فيه أبوه فحدث به تارة بواسطة أبيه وتارة بغير واسطة، وادعى الأصيلي أن الحديث مضطرب فلا يحتج به لاضطرابه، وتعقب بأن عبد الرحمن ثقة فقد صرح بسماعه، وإبهام الصحابي لا يضر، وقد اتفق الشيخان على تصحيحه وهما العمدة في التصحيح، وقد وجدت له شاهداً بسند قوي لكنه مرسل أخرجه الحارث بن أبي أسامة من رواية عبد الله بن أبي بكر بن الحارث بن هشام رفعه: لا يحل أن يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد. وله شاهد آخر عن أبي هريرة عن ابن ماجة ستأتي الإشارة إليه.
أما الشاهد الذي أشار إليه الحافظ عن أبي هريرة أخرجه ابن ماجة [٢/ ٨٦٧- ٨٦٨] ، كتاب الحدود: باب التعزير، حديث [٢٦٠٢] ، من طريق عباد بن كثير عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تعزروا فوق عشرة أسواط.
قال البوصيري في "الزوائد" [٢/ ٣٢٢] : هذا إسناد ضعيف عباد بن كثير الثقفي قال فيه أحمد بن حنبل: روى أحاديث كذب لم يسمعها، وقال البخاري: تركوه، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث وفي حديثه عن الثقات نكارة وقال النسائي: متروك الحديث، وقال العجلي: ضعيف متروك الحديث.
١ أخرجه البيهقي [٨/ ٣٢٧] ، كتاب الأشربة والحد فيها: باب ما جاء في التعزير وأنه لا يبلغ به أربعين، من طريق سعيد بن منصور ثنا هشيم أنبأنا مغيرة قال: كتب عمر بن عبد العزيز فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>