لما جاز نفسه بالشرط، فلما اتفق الجميع على جواز نفيه بالشرط، وشرط مكان غيره، دل ذلك على أن العقد لا يقتضي تسليمه في موضعه؛ لأن ما كان من موجب العقد: لا يصح نفيه بالشرط.
ألا ترى أن رجلا لو اشترى طعاما بالسواد، وشرط تسليمه في المصر، أن العقد فاسد، لنفيه موجب العقد.
*وإنما اعتبرنا ذكر المكان فيما له حمل ومؤونة؛ لأن ما له حمل ومؤونة؛ تختلف قيمته في الأماكن، لأجل ما يلزم فيه من نفقة الحمل ومؤونته، فصار كجهالة مقدار السلم وصفته.
وأما ما لا حمل له ولا مؤونة، فلا يلزم له نفقة الحمل، فتختلف من أجلها قيمته، فلذلك لم يحتج إلى شرط المكان فيه.
وأما مقدار رأس المال فيما يتعلق العقد فيه على المقدار، فإنما احتيج إلى معرفته في العقد عند أبي حنيفة، من قبل أنه لما كان بدلا عن السلم، وكان شرط السلم أن يكون معلوم المقدار، إذا كان العقد يتعلق على مقداره، وجب أن يكون كذلك رأس ماله؛ لأن حكم البدل حكم المبدل عنه.
فإن قيل: فقد خالفت بينهما حين جعلت السلم مؤجلا، ورأس المال معجلا.
قيل له: لم يختلفا في المعني؛ لأن السلم إنما احتاج إلى الأجل، ليكون وقت القبض معلوما، وشرطنا تعجيل رأس المال لنفي جهالة وقت القبض، فهما في المعنى سواء.