ووجه آخر: وهو أنه معلوم أنه كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوم فقراء من المهاجرين والأنصار، ولهم نساء، ولم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم لهن الخيار في الفرقة، ولو كان لهن الخيار لأعلمهن ذلك، ولو أعلمهن لنقل، فلما لم ينقل مع عموم الحاجة إليه، لكثرة الفقراء هناك، علمنا أن عجز الزواج عن النفقة لا يوجب لها الخيار.
فإن قال قائل: قال الله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، فإنما جعل للزوج أحد شيئين، فإذا لم يقدر على الإمساك بالمعروف: وجب التسريح، فإذا لم يفارقها: فرق القاضي بينهما؛ لأن الله تعالى قد جعل لها ذلك، لأن من خير بين شيئين ثم عجز عن أحدهما، تعين عليه لزوم الآخر.
قيل له: ومن قال لك أن العاجز عن نفقة امرأته غير ممسك لها بالمعروف حتى يوجب لها حق التسريح؟
ولو كان ذلك، لوجب أن يكون أصحاب الصفة فقراء الصحابة غير ممسكين لنسائهم بالمعروف، وحاشاهم من ذلك؛ لأن هذه صفة ذم، ولا يجوز وصفهم بها.
وعلى أنهم متفقون على أنه لو قدر على نفقتها، وامتنع مع ذلك من الإنفاق عليها، وأساء عشرتها: كان غير ممسك لها بالمعروف، ولم تستحق مع ذلك التفريق، وإنما يكون غير ممسك بمعروف إذا امتنع من حق قد لزمه لها.