فلما كان ذلك على ما وصفنا، لم يجز أن يقطع السارق إلا بحضور الغائب وتصديقه؛ لأنه قد صار في هذا الوجه كأنه باقٍ في ملكه، لجواز إقراره به لغيره، فكان أقل أحواله أن تكون شبهة في امتناع إيجاب الحد إلا بحضوره.
وليس ذلك مثل إقراره بالزنى بامرأة غائبة، فلا ينتظر بإقامة الحد عليه حضورها، من قبل أنه ليس يتعلق بإقراره بذلك لها ملك ولا يد، وصحة قطع السارق تتعلق بانتهاك حرز الغير، وأخذ ما في يده.
وقد روي أن النبي صلى الله ليه وسلم:"رجم ماعزًا، ولم يسأل المرأة المزنى بها".
"ورجم الغامدية، ولم يسألها من زنى بها"، ولم ينتظر مجيئه وتصديقه إياها، فصار ذلك أصلا في إقامة حد الزنى قبل حضور المزني بها، وصار خبر ثعلبة الأنصاري الذي قدمناه أصلاً في امتناع إقامة حد السرقة بإقراره دون حضور المقر له.
فإن قيل: لو لم يصح الإقرار إلا بتصديق المقر له، لما انتقل إلى وارثه قبل تصديقه، فلما كان المال المقر به موروثًا عن المقر له قبل تصديقه، دل ذلك على صحة الإقرار قبل التصديق.
قيل له: لم نقل إن الإقرار لم يصح إلا بتصديق المقر له، بل الإقرار صحيح، وإنما قلنا إن المقر له لا يثبت له الملك إلا بتصديقه.
وإنما انتقل إلى الوارث قبل التصديق؛ لأن الوارث قام مقام المقر له،