وجه قول أبي حنيفة: ما قدمنا من جواز إقرار العبد بما يوجب الحد إذا كان المولى لا يملك ذلك من عبده، ولا يلتفت إلى ما يلحق المولى به من الضرر، ألا ترى أنه لو أقر أنه سرق دراهم، وقد استهلكها: أنه يقطع في قولهم جميعًا، فلما وجب عليه القطع لصحة إقراره، وجب أن يحكم بأن الدراهم للمقر له بها، إذ لا جائز أن يكون مقطوعًا في دراهم محكوم بها ملكًا للمولى.
فإن قيل: فإذا كان إقراره بالمال الذي في يده على الانفراد غير جائز إذا لم يكن من جهة السرقة، وإقراره بالقطع جائز إذا انفرد عن مالٍ بعينه في يده، فلم غلبت جنبة وجوب القطع على إسقاطه، وهلا غلبت جنبة المال، فيحكم به للمولى، ويسقط القطع؟
قيل له: لأن جنبة القطع آكد في هذا الوجه من جنبة المال، والدليل على ذلك: أن إقرار المولى عليه بما وجب القطع لا يجوز في حال، ويجوز إقراره على نفسه بذلك إذا لم يتعلق بمال في يده باتفاق، فصار في باب ما يوجب القطع بمنزلة الحر، ولا تأثير لتصديق المولى، ولا لتكذيبه فيه.
وأما المال، فقد يجوز إقراره العبد فيه بحال إذا كان مأذونًا له في التجارة، فيستحقه المقر له، فلما كان لجهة المال حالان: أحدهما: يجوز إقراره فيه، والآخر: لا يجوز، ويكون لإذن المولى تأثير في جوازه مرة،