فيما يبديه من التعقب والنقد والتحرير والاستدراك، بحيث يمكن أن يقال في حق تعليقاته: إنها زادت كلام الشيخ ابن عبد السلام تمتينًا وتحريرًا.
(ز): وأخيرًا، فمع ما سبق من روائع ما جادت به قريحة البلقيني من التعليقات، وقوة الأنظار، فقد بدت في بعض تعليقاته مسامحات فيما كان يَتَعَقَّب به على الشيخ ابن عبد السلام، خاصة إذا لوحظ أن الشيخ ابن عبد السلام ينطلق من جهة النظر المقاصدي، فيُبدي ما يراه مما ينبغي أن تكون عليه المسألة من حيث النظر المقاصدي لديه، وإن كان ذلك ربما يقع مخالفًا لما تقرر عند غيره من أهل العلم، لوجوهٍ أخرى عندهم.
فيأتي البلقيني في بعض هذه المواضع، ويتعقّب الشيخَ فيها أو يناقشه ويردّه إلى ما هو معتمد لدى أولئك الآخرين، والحال أن الشيخ -فيما يظهر- لا يُنكِر ما يقوله الآخرون، ولا يُنكر أيضًا ما قد يكون مقرَّرًا بحسب ما في نفس الأمر في تلك المسائل، وإنما يُبدي ما يتراءى ويترجح لديه، من النظر المقاصدي فيها، فتظهَرُ مناقشة البلقيني في هذه المواضع، بعيدةً عن النظرة المقاصدية التي يريدها الشيخ ابن عبد السلام. والله أعلم.
فمن ذلك مثلًا:
النص رقم ١٣٢ المتعلق بضرب الصبيان للتأديب ضربًا غير مبرّح:
انطلق الشيخ ابن عبد السلام في هذه المسألة من نظرة مقاصدية دقيقة، وخالفه البلقيني تبعًا لبعض علماء الشافعية لنظرة مقاصدية أخرى تختلف عن نظرة الشيخ. ولكن تبيّن بالبحث والمراجعة في كتب الشافعية، أن المختار عند محققيهم المتأخرين هو ما ارتآه الشيخ ابن عبد السلام في هذه المسألة، كما وضحته في التعليق على هذا النص.
وكذلك التعليق على النص رقم ٢٧٧ يبدو فيه أيضًا بعدٌ من البلقيني عن النظرة المقاصدية التي ينطلق منها الشيخ ابن عبد السلام.