للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ما المنهج الذى اتبعوه فى النقد؟ ليس ثمة منهج إلا مجموعة أفكار فاسدة وهواجس تعشعش فى أذهانهم، ولو افترضنا أن أعداء الإسلام لا يقصدون أنهم وضعوا هذه الأحاديث، أى اختلقوها فإن مجرد تسخيرهم لها لتثبيت دعائم الحكم الأموى مرة، والحكم العباسى مرة أخرى، مسبة أيضاً، وفرية لا يقولها عاقل!

... كما أن إشاعة هذه الأحاديث النبوية مصلحة للناس قبل أن تكون مصلحة للحكام؛ لأنه فى أغلب الفتن لا يتأذى بويلاتها إلا الناس، ولا يبلغ الحكام إلا دخانها، وفى الفتن تختلط الأمور وتتداخل، فيدعى كل طرف فيها أنه على حق، وأن غيره على باطل، ومن لم يتبين أى الأطراف على حق، كان أولى به أن يعتزل الفتن، وهو الصواب.

... كما أن هذا الدين الحنيف جاء داعياً إلى التكتل والجماعة، وحذر من الفرقة والانقسام لأن هلاك المسلمين فى تفرقهم شيعاً وأحزاباً، يقول تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (١) ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (٢) ويقول: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (٣) .

... والأحاديث النبوية التى تدعوا إلى الجماعة، وعدم الخروج عنها توضح هذه الحقيقة القرآنية، حقيقة أن فساد أمر المسلمين بافتراقهم، وهى حقيقة يعيها جيداً أعداء الإسلام، إلاَّ أنهم يتجاهلون هذه الحقيقة ليزعموا أن هذه الأحاديث موضوعة، لخدمة الحكام، وذلك بعدم دفع المسلمين إلى الخروج على الحكام ولو كانوا جائرين، وتجاهلوا أن: من عقيدة المسلمين عدم الخروج على السلطان لجور أو ظلم ما لم يأمر بمعصية.


(١) الآية ١٠٣ من سورة آل عمران.
(٢) الآية ١٥٩ من سورة الأنعام.
(٣) الآية ١٠٥ من سورة آل عمران.

<<  <   >  >>