.. وقال الحافظ ابن دحية:"فإن قيل كيف طريق الجمع بين رواية إن النيل والفرات عند سدرة المنتهى أصلهما فى السماء السابعة، ورواية أنهما فى السماء الدنيا لذكره عنصرهما، وهو أصلهما.
قلنا طريق الجمع بين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فى أصل سدرة المنتهى أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسأل عنهما جبريل فقال: "أما الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات".
... ثم فى حديث شريك عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم "فإذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطردان"، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات، عنصرهما.
ولنا فى التأويل وجهان سديدان:
... إحداهما: أن يكون محمولاً على ظاهره، ويكون معناه أنه لما رأى عند سدرة المنتهى هذين النهرين مع نهرى الجنة، وذلك فى السماء السابعة، ورأى فى السماء الدنيا هذين النهرين دون نهرى الجنة، كان لاختصاصهما بسماء الدنيا معنى، سمى ذلك الاختصاص عنصراً، ولا يمتنع أن يكون لجميع الأربعة الأنهر أصل واحد هو عند سدرة المنتهى، ثم يكون لاختصاص هذين النهرين بسماء الدنيا أصل من حيث الاختصاص وهو الامتياز لهما دون نهرى الجنة، سمى ذلك الامتياز والاختصاص عُنْصُراً، أى عنصر امتيازهما، واختصاصهما، فهذا وجه سديد.
... والوجه الثانى: أن يكون عنصرهما مبتدأ يتعلق به خبر سابق، لم يتقدم له ذكر من حيث اللفظ، لكن من حيث العهد، ويكون معناه: هذا النيل والفرات، فيتم الكلام، ثم يكون عنصرهما ما كنت رأيت عند سدرة المنتهى يا محمد، فاكتفى بالعهد السابق عن إعادة الكلام. وهذا وجه سديداً أيضاً.
وقد صح الجمع بين الحديثين، فلم يتعارضا، ولم يتنافيا، ولم يتناقضا.