للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. أما ما زعمه "روبسون" من حملة الفتنة المذكورة فى كلام ابن سيرين على فتنة ابن الزبير، فهو زعم بعيد؛ لأن عبارة ابن سيرين تقول: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد"، ولم يقل: "كنا لا نسأل عن الإسناد" وهذه العبارة التى استخدمها تفيد؛ أنه يتكلم عن شيوخه من الصحابة رضي الله عنهم (١) .

... ويقول الدكتور أكرم ضياء العمرى: "ما استند إليه روبسون غير صحيح فإن تقدير عمر محمد بن سيرين للإفادة منه فى تفسير كلامه لا يمكن الاعتماد عليه فابن سيرين قد يتكلم عن أحداث بعيدة عن عصره معتمداً على دراسته لتاريخ الحديث الذى عنى به كثيراً" (٢) .

والذى يؤكد هذا الرأى قول عبد الله بن عباس وهو من صغار الصحابة (٣) ، لما جاءه بشير بن كعب العدوى فجعل يحدث ويقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال: يا ابن عباس مالى لا أراك تسمع لحديثى، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" (٤) .

فكأنه رضي الله عنه أراد أن يقول: إنه لما دخل فى هذا الأمر من هم ليسوا من أهله، صار الإعراض عن سماعهم، والنظر فيه أولى، فكان بذلك الإذن فى التحرج من قبول مطلق الأخبار مجردة من أسانيدها" (٥) .


(١) الفكر المنهجى عند المحدثين ص ٥٩.
(٢) بحوث فى تاريخ السنة المشرفة ص ٥ – ٥٢.
(٣) ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم توفى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل ابن خمس عشرة سنة. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر ٣/٩٣٣ رقم ١٥٨٨.
(٤) سبق تخريجه ص ٣٢٧.
(٥) ضوابط الرواية عند المحدثين ص ٦٥.

<<  <   >  >>