وثَمَّ أمور تبرز لقارئ الكتاب؛ عدَّها بعضهم من المؤاخذات وهي في الحقيقة من الملحوظات (١) التي لا تخلو من توجيهٍ حسنٍ للمنصف القادح، أو نظرةٍ سديدةٍ للمستحسن المادح، وهذا أو ذاك لا يستطيع إخفاء حاجته إلى صيد ابن القيم ﵀، وإلا ما قصد إلى قراءة كتابه، ومن تلك الملحوظات:
١ - أنَّ ابن القيم ﵀ لم يبيِّن لنا سبب تسميته لكتابه بـ "أيمان القرآن" وعدوله عن التسمية بأقسام القرآن، مع أنَّه يفتتح كلامه عن آيات القَسَم - غالبًا - بقوله: ومن ذلك قَسَمُه سبحانه بكذا … ثُمَّ يذكره.
وأيضًا؛ لم يرد في القرآن الكريم لفظ "اليمين" بالنسبة لله ﷿، وإنَّما ورد لفظ "القَسَم" كما تراه في هذا الكتاب مشروحًا، أمَّا "اليمين" في القرآن الكريم فقد جاءت في حق الخلق واستعمالهم كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٤]، وقوله: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥]، وقوله: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، وقوله: ﴿بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد يستطيع المتأمِّل الجواب عنه بما يظهر له من مليح الاستنباط، إلا أنَّنا كنَّا في شوقٍ لجواب ابن القيم نفسه لما عُرف عنه من الدقَّة،
(١) وليس كل ملحوظةٍ مؤاخذة، ومن الخطأ أن نحاكم عُرْف المتقدمين في التأليف إلى عُرْفنا المشوب بطرائق المستشرقين أو تنظير الخاملين من أصحاب الأكاديميات، وهذا - والله - من جنايات المعاصرين على تراث الأئمة، فكان القصاص في قلة بركة مؤلفاتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.